لم تنزل استقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مساء أمس "بردا وسلاماً" على الساحة السياسيّة العالمية والإيرانية، بل شكّلت مفاجأة في ظل ترقّب الجهود الخارجيّة المبذولة من قبل الحكومة الإيرانيّة للإلتفاف على العقوبات الأميركيّة. ورغم المناوشات السياسيّة الحاصلة في إيران بين المعسكرين المحافظ والإصلاحي، إلا أنّ أحداً لم يتوقّع اتخاذ ظريف لمثل هذا القرار. وفي ظلّ انتظار الجميع قرار الرئيس الإيراني حسن روحاني بقبول الإستقالة من عدمها، فرضيّات عديدة تُطرح حول هذا الموضوع، خصوصاً وأن رئيس الدبلوماسيّة الايرانيّة كان على موعد مع خطاب سيلقيه اليوم في مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
الفرضيّة الأولى لهذا القرار مرتبطة بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السوريّة في العام 2011. وهنا يلاحظ مراقبون غياب ظريف عن لقاء الأسد مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، وعن لقائه مع نظيره الإيراني حسن روحاني، قبل أن تنقل الصحافة الإيرانيّة قول وزير الخارجيّة "بعد صور اليوم من لقاءات للأسد في طهران، لم يعد هناك مصداقيّة في العالم لظريف كوزير للخارجيّة". فلماذا اتّخذ الأخير هذا القرار المفاجئ؟!.
من المؤكد أن هذا القرار ليس وليد اللحظة، بل هو حصيلة تباينات في وجهات النظر داخل الحكومة الإيرانيّة. ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها ظريف على الإستقالة (إذ انّ الرئيس حسن روحاني كان قد رفض له استقالات سابقة في مناسبات عديدة)، إلا أنها المرة الأولى التي تخرج الى العلن بهذا الشكل. كما أن اختيار ظريف، المعروف بحنكته، توقيت زيارة الأسد لطهران، كدليل على رغبته في إيصال رسالة معيّنة، خصوصاً بعد ما أشيع أنه لم يتم التنسيق معه في موضوع الزيارة، وبالتالي شعر ظريف وكأن سلطته مهدورة ودوره ثانوي.
فرضيّة ثانية يطرحها المراقبون، ويربطونها بموضوع الاتفاق النووي الإيراني. إذ انّ المحافظين يصرّون على الخروج من هذا الاتفاق بعد خروج الولايات المتحدة الأميركية منه، بينما يبحث الاصلاحيّون وعلى رأسهم روحاني وظريف عن السبل للحفاظ عليه واستقطاب الدول الأوروبيّة نحو إيران.
لذا، يبدو أنّ هذه الإستقالة مرتبطة بشكل أساسي باشتراط الأوروبيين على الحكومة الإيرانيّة بالإنضمام إلى المعاهدة الدوليّة لمكافحة تمويل الإرهاب المعروفة بـ"FATF"، والتي ستساعد إيران على الإستفادة من دخول الأموال الأوروبيّة إلى السوق الإيراني. هذه المعاهدة، ستجعل النشاط الإقتصادي الإيراني تحت الرقابة، وبالتالي فإنّ أيّ مبلغ قد يرسل إلى حركات المقاومة في المنطقة (ومنها حزب الله) سيتمّ رصده. وظهرت رغبة روحاني وظريف الشديدة بالإنضمام إلى هذه المعاهدة، إلا أنّ المحافظين كانوا رافضين بشكل جذري لها، ما صعّب التواصل بين إيران وأوروبا.
فرضية ثالثة تُطرح، تربط الإستقالة بتباينات بالرأي وخلافات داخل الحكومة الإيرانيّة، وأبرزها بين روحاني وظريف. وبالتالي تخرج هذه الفرضيّة أيّ شكّ حول دور المحافظين بالإستقالة.
وفي حال قبل الرئيس الإيراني الإستقالة، يشير المراقبون في إيران الى اسماء عديدة قد تخلف ظريف:
- عباس عرقجي، نائب وزير الخارجيّة واحدى الشخصيّات الفاعلة في الملفّ النووي، وهو الْيَوْم من الأقرب الى طريقة تفكير ظريف في الوزارة.
- حسين أمير عبد اللهيان، معاون رئيس البرلمان للشؤون الدوليّة، ونائب وزير الخارجيّة الايراني السابق للشؤون العربيّة والإفريقيّة. ويعتبر من الشخصيات المقرّبة من الحرس الثوري، ولعب دورا كبيرا خلال فترة عمله في وزارة الخارجية في الملفين السوري والعراقي.
- علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدوليّة، وأحد أقدم وزراء الخارجيّة في تاريخ الجمهوريّة الاسلاميّة حيث تولى المنصب لأكثر من ١٥ عاما. وتعيين شخصية كولايتي ستعني تحوّلا كبيرا في العمل الدبلوماسي الإيراني وبالتالي الإشراف المباشر التفصيلي للمرشد على سياسة بلاده الخارجية.
مما لا شك فيه، أن استقالة ظريف، في حال قبولها، ستضع إيران أمام صعوبات جديدة في التعامل مع الخارج. لذا، ينتظر الجميع الإسم الذي سيخلف ظريف، والذي ستحمل معه إيران صورة جديدة. فهل تستمرّ الدبلوماسيّة الإيرانيّة بالإنفتاح على اوروبا؟ أم ستتّجه نحو سياسة "المحافظين" التي كانت سائدة على زمن الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد؟!.