انشغلت وسائل الاعلام الاقليمية والجولية في الايام الماضية، بالقمة العربية الأوروبية الأولى التي عقدت في مصر برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك. لم يكن من المهم الحديث عن البيان الختامي للقمة والذي صدر بنقاطه السبع عشرة، بل عما دار على هامش القمة وما تخللها من مواقف عربية واوروبية. بداية، لا بد من القول ان اكثر من نصف البيان لا يعدو كونه مواقف رنّانة وكلمات شعريّة لن تقدّم او تؤخّر في الوضع الاقليمي والدولي.
اما اللافت في القمة، فكان كلام للعاهل المغربي وعدد من قادة الدول العربية عن "اتهامات" بالعمل ضد بعضها، ينسف نصف ما قيل في البيان عن وحدة عربيّة وتعاون شامل مع الاوروبيين في مجالات عديدة، اضافة الى ضعف كبير في الكلام عن ازالة اسباب الارهاب والتعاون في مكافحته. ولا شك ان هذه "الثغرة" كفيلة باصابة البيان بالوهن، والتقليل من اهميّته وتأثيره على العرب والاوروبيين بشكل عام. اذ كيف يمكن للعرب ان يتفقوا مع الاوروبيين حول أيّ موضوع اذا كانت الخلافات تعصف بهم، وهم لا يثقون ببعضهم ويتحيّنون الفرصة للانقضاض كل على الآخر؟.
وسيكون من الغريب ايضاً تفسير التعاطي المزدوج مع مسألة الفلسطينيين والصراع مع اسرائيل، ففي حين تضمن البيان تأييداً لحقوق الفلسطينيين وحل الدولتين والحفاظ على القدس، تظهر الوقائع على الارض ان الامور اكثر تعقيداً من ذلك بكثير، وان العديد من الدول العربية التي كانت حاضرة في القمة، عمدت على هامش مؤتمر وارسو، الى التودّد الى الاسرائيليين وفتح الباب امامهم دون قيد، شرط ان تكون ايران هي العامل الذي يضعهم في خندق واحد. والغريب هو معارضة الاوروبيين ادخال ايران في بيان المؤتمر ولو من باب الغمز، لعدم احراجهم اولاً، ولعدم التسبب في خلافات عربية اساسية ثانياً، فيحمل البيان عندها بذور تفجيره وانهياره، هذا في حال تم الاتفاق على اصداره دون اعتراض دول عربيّة مشاركة.
وفي ما خص الحديث عن سوريا وليبيا واليمن، فإنه في مقابل التأكيد على سلامة الاراضي وضمان امن وسلامة شعوب هذه الدول، كان الحديث في سوريا عن ضرورة اعتماد عمليّة انتقاليّة سياسيّة، دون ذكر مصير الرئيس السوري بشار الاسد (وهو امر لافت)، فيما تم تشجيع المفاوضات التي تقودها الامم المتحدة في اليمن وليبيا للوصول الى حل ينهي الازمة. هذه الشمولية ان دلّت على شيء، فعلى عدم الاتفاق على نقاط معينة بين العرب حول هذه المواضيع اولاً، وعدم قدرة الاوروبيين على البتّ بشكل حاسم بمصير هذه الازمات الثلاث في ظل امساك روسيا والولايات المتحدة بالقرار.
ومع كثرة المؤتمرات والقمم العربية الخالصة او المشتركة مع الاوروبيين وغيرهم، يبقى القاسم المشترك الاعتماد على النصوص الكلاميّة المريحة للجميع، فيما باتت الشعوب العربية امام مشهد مكرر Déjà vu ملّت منه عملياً، وتصفق له لا شعورياً. لن تستقيم الامور في المنطقة ما لم يتوقف الغرب عن تعزيز التفرقة العربيّة، وما لم تتخذ الدول العربيّة قراراً بالتوقف عن التسابق لكسب رضا الدول الغربيّة والتشبّث بالسلطة.
لن تختلف مقرّرات القمّة عن غيرها من المقررات الصادرة عن قمم ومؤتمرات، وهي اصلاً لم تقدّم مادة دسمة يمكن البناء عليها للتأكيد على تحقيق انطلاقة جديدة يرغب بها الجميع. هذا هو عصر الكلام الكثير والافعال القليلة بالنسبة الى العالم العربي، ولن يتغيّر في المدى المنظور، ولعل أهم ما حققته القمّة، هو صرخة اوروربيّة برغبة لديها في ابقاء حضورها معلوماً لدى الجميع، رغم أنّ القارة العجوز مقتنعة تماماً بأن نسبة نفوذها بدأت تتراجع.