لفت راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله خلال احتفال "تجمع موارنة من أجل لبنان"، بعيد البطريرك الأول للموارنة القديس يوحنا مارون، بقداس احتفالي، أقيم في المقر الأول للبطاركة الموارنة في دير مار يوحنا مارون في كفرحي إلى "أنكم جئتم اليوم إلى النبع، إلى جذور الروحانية والتاريخية والكنسية، وقد اختارت الكنيسة هذا الإنجيل اليوم، لأن في هذا الإنجيل دعوة لنا جميعا، نحن أبناء مار مارون، وخاصة في هذه الأيام العصيبة، يقول لنا المسيح "أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم"، والملح هل يحتاج إلى كمية ليعطي الطعم أم إلى نوعية؟ هذا الكلام موجه إلينا، كما وجه إلى أبينا مار مارون، الذي وضع روحانية كنسية مشى عليها تلاميذه، ومنهم البطريرك يوحنا مارون، الذي أسس الكنيسة المارونية، وأطلقها من هنا إلى العالم كله، في رسالة أممية، لتكون هذه الكنيسة الصغيرة ملحا ونورا".
وأشار إلى أن "سر استمرارية هذه الكنيسة الصغيرة، رغم صغرها في العالم، حتى اليوم، وإلى الأبد، هو الاستنتاج من تاريخنا، الإيمان والمعول والقلم. فالإيمان هو تمسك شعبنا بالإيمان بسيوع المسيح المخلص، الذي أراد بمحبته المطلقة للبشر، وموته على الصليب، هو في سبيل فدائنا وخلاصنا. فهذا الحمل حمله مار مارون الناسك منذ القرن الرابع، على قمم جبال قورش، ووضع روحانية جديدة في الكنيسة الأنطاكية الأولى، التي تقوم بعلاقة ودية مع البشر، فكانت روحانية الصليب، حملها تلاميذه، وأول مجيء ابراهيم القورشي إلى قمم جبال جبيل والبترون والجبة، ليعيش مع الشعب الذي أهداه إلى المسيحية، ليعيش الروحانية مع انفتاح على جميع البشر، حيث أراد أن يعيش البعد عن العالم والتقشف، عن شؤون هذا العالم، وأن يحافظ على حرية عيش إيمانه".
ولفت إلى أنه "كان الشعب الذي تقوقع حول تلاميذ مار مارون على هذه الجبال، ما سمي بشعب مار مارون، إلى أن جاء سنة 685 مار يوحنا مارون، ليؤسس الكنيسة البطريركية المارونية، ضمن الكنيسة الأنطاكية، من هنا من كفرحي، حيث حافظ شعب مارون من بعد يوحنا مارون، ومن بعد جميع آبائنا من بطاركة ومطارنة ورهبان، من هذه الجبال ووادي قنوبين، حافظ شعب مارون على إيمانه، بالرغم مما واجهه من تحديات ومن نزوعات وحروب طاغية، ظل ثابتا بإيمانه وفي علاقته مع الله. لأنه فتش دوما، عن قمم الحرية، وعاش الحرية، ودفع أثمانا غالية ليحافظ عليها، بإعلان إيمانه وعيشه، حيث بقيت الحرية القيمة الكبرى في حياة مارون، التعلق بالأرض، أرضنا، التي شاء الله أن نعيش عليها، ونحمل رسالة المسيح منها إلى العالم، وأن نكون ملحا في المجتمع، الذي نعيش فيه، فعاش أجدادنا على هذه الجبال السخية، عاش بحرية وكرامة، وصنعوا من هذه الأرض جنات يعيشون فيها بحريتهم، من دون إمداد يدهم والاستعطاء من أحد، حيث بقيت أرضنا أرضا مقدسة، أرض رسالة، أرض هوية مميزة".
وأضاف خيرلله: "أما حب الثقافة والعلم، رغم الظروف الصعبة، التي عاشها آباؤنا وأجدادنا وكنيستنا في بعدها عن العالم، وفي العزلة والاضطهاد، حافظوا على الثقافة والعلم، فكانوا يضحون في سبيل تعليم أولادهم، ويعتبر هذا سبب انفتاحهم على العالم، فحملوا من الغرب، وبخاصة تلاميذ المدرسة المارونية، حملوا ثقافة الشرق إلى الغرب، وحملوا معهم من الغرب ثقافة التنوع، فكانوا رواد النهضة، ورواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر"، لافتا إلى أن "حبهم للثقافة والعلم، جعل منهم مشاهير، حيث قال عنهم العالم "عالم كامارون".
وتابع: "ومن هنا نسأل اليوم هل ما زلنا متمسكين بإيماننا وبعلاقتنا المميزة مع الله؟ هل ما زلنا نعيش إيماننا ونشهد له، لأجيالنا الصاعدة، ونحمله إلى العالم كله؟ هل نحن أبناء مارون، ما زلنا مرتبطين بأرضنا المقدسة، رغم أننا اليوم في أميركا وأوستراليا والشرق الأقصى؟"، مردفا "ارتباطنا بأرض لبنان هو ارتباط روحي وارتباط معنوي وتاريخي وارتباط يدفعنا للمستقبل، فلا يهمنا أن نكون فقط نعيش معا على أرض لبنان، ولكن يجب أن نحمل رسالة الأرض في قلوبنا ونزرعها في قلوب أولادنا، لأن الأرض هي وقف لله، ولن يستطع أحد على مر التاريخ، أن يسيطر عليها، بالرغم من عبور السلطنات والإمبراطوريات على أنواعها، فبقيت هذه الأرض مثالا، ونحن باقون وهذه هي رسالة ارتباطنا بالأرض".