لم تعتَد بعض أنظمة العالم العربي على التعامل مع الإعلام كسلطة مستقلّة لها نخبها وأشخاصها وأسلوبها ووسائلها.
تحت ذرائع سياسية عدّة، يتمّ اعتقال وأسر نسبة كبيرة من الصحفيين والكتّاب في دول عربية مختلفة حتى باتت الحرّية الإعلاميّة في العالم العربي قضيّة إنسانيّة في مجالس الأمم المتحدة.
ماذا يحصل في لبنان؟ يصون الدستور اللبناني الحرّيات الفردية وحرية إبداء الرأي والحريات الإعلامية.
ولا شك أنّ لكلّ حرّية حدودها تقف عند التعرّض للوطن، للآخرين، لمبادئ ومسلّمات ورموز دينيّة وسياسيّة.
بعيدا عن الحال التشريعي اللبناني الذي ينقصه قوانين حديثة جزائيّة تواكب التطور العالمي، والذي يرتكز حاليا في قوانينه لجهة محاسبة ومقاضاة الاعلاميين على قانون المطبوعات وبعض مواد قانون العقوبات وعلى أصول محاكمات جزائيّة فضفاضة نتوقّف عند الآتي :
-دخلت وسائل التواصل الاجتماعي عالم السياسة المحليّة والدوليّة، فأصبح لكل فرد وسيلة نشر خاصة يعبر فيها عن آرائه وأفكاره، فاستقلّ الاعلاميّون عن المؤسسات الإعلاميّة التي يعملون بها في أسلوب تعبيرهم ومواضيعهم، وذلك على صفحاتهم الخاصة لا سيما عبر "تويتر" و"فيسبوك" ما يعرّضهم لملاحقات قانونيّة مباشرة فرديّة، دون أن يمتدّ ذلك الى المساءلة القانونّية للوسيلة الإعلاميّة التابعين لها. هذا من حيث المبدأ، ولكن، بعض الشاكين يقدّمون شكاوى شاملة.
-إنّ وسائل التواصل الاجتماعي تصنع رأياً عاماً يسير بعكس التيّار الذي يريده بعض السياسيين فيذهب هؤلاء الى تقديم شكاوى بوجه عدد من الناشطين بهدف الحدّ من ظاهرة المعارضة السياسيّة الشعبيّة.
استدعي العديد من اللبنانيين الى مكتب مكافحة الجرائم الالكترونيّة نتيجة لشكاوى طالبت بوقف التعرض. تم توقيف البعض نتيجة لإشارات نيابات عامّة وآخرين وقّعوا على تعهّدات. بعض محاضر التحقيقات الأولية تم حفظها وأخرى أحيلت الى المحاكم الجزائيّة بموجب ورقة طلب تحرك بها النيابة العامة الحق العام اضافة الى الحقّ الشخصي.
تكمن الاشكاليّات القانونيّة بما يتعلق بالإعلاميين فيما يلي :
١-هل الإعلامي على وسيلة التواصل الاجتماعي مجرّد مواطن ناشط أم يتمتع بالحصانة الإعلاميّة التي يمنحها إياه قانون المطبوعات لجهة الملاحقة والتحقيق والمحكمة المختصّة بالمحاكمة؟.
٢-هل الرأي عبر صفحات التواصل الاجتماعي الذي يتناول انتقادا لأداء سياسي ما، اذا لم يتناول عبارات السباب والشتم والتحقير يُعتبر قدحًا وذمًّا يستوجب الملاحقة القضائيّة؟!.
٣-هل الإعلامي الذي يكشف بعض المعلومات حول قضيّة فساد دون شرح تفاصيلها معرّض للمساءلة فيما اذا لم يستطع إثبات ادعاءاته؟ أم أنّ واجب التحقّق والتحقيق يقع على عاتق سلطة أخرى؟!.
٤-ألا يحقّ لأيّ مواطن سواء كان إعلاميًّا أم لا أن يستفيد من الحماية التي يوفّرها له قانون حماية كاشفي الفساد؛ ولئن لمّح تلميحا الى قضيّة فساد دون الغوص في تفاصيلها؟!.
إنّ التطوّر التكنولوجي واتّساع رقعة الفضاء السيبراني تسبق بعض العقول التي يفترض فيها أن تضع سياسات الدولة. من هنا يُطرح السؤال التالي: كيف ستتعامل القوى السياسيّة مع جيوش الكترونية تنشط من مختلف دول العالم بأسماء مستعارة مستخدمة شبكات غير قابلة للكشف؟...
ما لا يفقهه البعض في أوطاننا، أنّ حرية الرأي في عصرنا اليوم هي حق إنساني عالمي. لم تعد حريّة الرأي والحريّة الإعلاميّة بحاجة لدستور أو لتعديلات وتحديثات قانونيّة محليّة لصونها وحمايتها ووضع ضوابط لها فحسب. كل ذلك مهم ولكنه لا يكفي.
على لبنان أن يضع السياسة الوطنيّة لحريّة الرأي تضمّ استراتيجيّات حول كيفيّة التعامل مع العالم السيبراني من جهة الحكومة، القضاء، مع القطاعين العام والخاص. سياسة وطنيّة تصون حريّة الرأي وحريّة الإعلام وتفهم ما معنى أن الأرض أصبحت "قرية عالمية".