عشية الجلسة النيابية العامة التي تستمر ليومين، عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس من الاردن مرتاحاً الى نتائج مشاركته في اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي، خصوصاً لجهة تصويب مسار قضية القدس ورفض التطبيع مع العدو الاسرائيلي، إضافة الى تلقفه مبادرة الملك عبدالله اطلاق معادلة «المياه اللبنانية في مقابل الكهرباء الاردنية»، وهي معادلة سيناقش بري احتمالات تطبيقها مع وزيرة الطاقة ندى البستاني التي سيستقبلها قريباً.
على وقع التخفيف النسبي من وجود المكعبات الاسمنتية في محيط عين التينة، يستعد بري لفتح الطريق امام تكوين المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي تنتظره رحلة صعبة في أودية الفساد، المطلة على هاوية سحيقة.
ويقول بري لـ«الجمهورية»، انّه سيقترح خلال الجلسة العامة لائحة بأسماء 7 نواب مقترحين لعضوية المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء «تمّ التشاور في شأنها خلال اجتماع هيئة مكتب المجلس، وقد اعتمدنا في اختيارها معيار التمثيل السياسي للكتل النيابية لا التمثيل الطائفي المحض، فإذا تمّ التوافق على تلك الاسماء يتم إقرارها، وإذا حصل خلاف حولها نلجأ الى خيار الانتخاب».
ويلفت بري، الى انه تبلّغ أسماء القضاة الثمانية الذين سينضمون الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، موضحاً انه ستكون هناك على «دكة البدلاء» للمجلس ثلاثة نواب إحتياطيين، وعدد مماثل من القضاة، ومشيراً الى أهمية قانون أصول المحاكمات الذي ينبغي ان يرتكز اليه المجلس في نشاطه.
وفي حين يؤكّد بري انه «لا توجد سلطة لرئيس مجلس النواب على مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء بعد تشكيله»، يلاحظ انّ شروطاً صعبة تتحكّم بآلية عمله ومن بينها مسألة توافر الثلثين لإتخاذ القرار، «وبالتالي فإنّ المطلوب من القوى الداخلية الاساسية ان تطلق سراحه عقب تكوينه، فلا يبقى اسير الحصانات الطائفية والمذهبية او الحسابات السياسية والفئوية»، مشدداً على أنّ من واجب المجلس النيابي ان يثبت صدقيته وجديته في مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين عبر تسهيل إحالة أي متهم بارتكابات الى تلك المحكمة».
ويستعيد بري تجربته على هذا الصعيد، قائلاً: «هناك من يحاول أحياناً ان يزايد او يتفلسف علينا في ملف مكافحة الفساد، ولكن على هؤلاء ان يعلموا انني كنت أول من كافح الفساد عملياً وليس بالتنظير، خلافاً للانطباعات المغلوطة التي يسعى البعض الى الترويج لها».
ويضيف: «هل تناسى هذا البعض أنني بادرت في الماضي، وبلا اي تردد، الى رفع الغطاء عن وزير كان يمثل حركة «أمل» في احدى الحكومات، وذلك بسبب «ملف بقر»، فتمت محاكمته ودخل الى السجن، كذلك رفعت الغطاء عن وزيرين آخرين تمّ فصلهما من حركة «أمل» بعدما اكتشفت تورطهما في أمور معينة».
ويعتبر بري، «انّ حماسة الجميع لمحاربة الفساد لا يجب ان تكون فورة عابرة، بل هي ضرورة حيوية، لأنّ وضع البلد لم يعد يتحمّل مزيداً من الهدر والسرقات، ويُفترض اننا لا نحتاج الى دروس من أي سفير حتى نعرف خطورة الواقع الذي وصلنا إليه، ونتحسس مسؤولياتنا حياله».
ورداً على سؤال حول تعليقه على الاتهامات بالفساد التي وجهّتها احدى الشخصيات النيابية بالجملة الى عدد من السياسيين اللبنانيين، يجيب بري ممتعضاً: «الفساد لا يُكافح بهذه الطريقة الشعبوية والتعبوية، وحتى لو كان الاتهام موجهاً الى خصم لي في السياسة، فأنا لا اقبل أن يكون اعتباطياً وعشوائياً»..
وعمّا إذا كان يعتقد أنّ هناك قدرة حقيقية على ملاحقة المرتكبين في ظل الحصانات الطائفية والمذهبية التي قد تمنع المساءلة والمحاسبة، يؤكّد بري انه «لا ينبغي التراجع امام هذه الحمايات التي يجب ان تسقط وتتهاوى امام أي ملف مُحكم ومُحصّن بالأدلة الكافية لإدانة المرتكب».
وتعليقاً على الغزارة الملحوظة في تقديم مشاريع واقتراحات قوانين تتعلق بمحاربة الفساد والاثراء غير المشروع، يشدّد بري على انه لا يريد ان يدخل في سجال او خلاف مع أحد، «لكن بعض ما يُطرح ليس في محله، وتحديداً بالنسبة الى رفع السرية المصرفية، لأنّ هذه السرية مرفوعة عملياً، وما تبقى منها لا يتعدى حدود قشرة رقيقة، يُراد من المحافظة عليها استقطاب ألاموال من الخارج»، مشيراً الى «ان هذه السرية اصبحت رمزية الى حد كبير نتيجة مفاعيل بعض الاجراءات المصرفية وقدرة الاميركيين على أن يعرفوا ما يوجد في الحسابات قبلنا».
ويختم مبتسماً: «نصيحتي للمتحمسين، «لا تخلطوا عباس بدباس»...