تتواصل أعمال إزالة المكعبات الإسمنتية من شوارع بيروت، (كما حصل امس في محيط عين التينة)، بعد سنوات من الإجراءات الأمنية الاستثنائية التي قضمت بعض الطرق، وأقفلت عدداً من الشرايين الحيوية في العاصمة، متسبِّبة باختناقات مرورية وفي عرقلة مسار الحركة الاقتصادية. ويبدو أنّ قرار إسقاط «الحدود الإسمنتية» سيسري على مزيد من المناطق، وصولاً الى الضاحية الجنوبية قريباً في انعكاسٍ للواقع الأمنيّ الجيّد.
واللافت، انّ المكعبات بدأت تتدحرج تباعاً كحجارة الدومينو منذ أن بوشر في رفع ما كان موجوداً منها في محيط وزارة الداخلية مع تولي الوزيرة ريا الحسن مسؤولياتها رسمياً.
ولعله يصحّ القول، إنّ إزالة العوائق من الشوارع تندرج في خانة اسرع الانجازات العملية التي يمكن الحسن أن تحققها، ويمكن المواطن أن يتحسّس بها وبانعكاساتها الإيجابية المباشرة على حياته اليومية، خصوصاً بالنسبة الى التخفيف من ازمة السير المتفاقمة وتسهيل الحركة التجارية في الأحياء التي كانت مغلقة أمنياً.
وتحمل هذه المبادرة التي أطلقتها الحسن، وتجاوبت معها القوى السياسية المعنية، رسائل إيجابية في أكثر من اتّجاه، فهي تؤشر من جهة الى أنّ الوضع الامني بات ممسوكاً ومتماسكاً الى الحدّ الذي يسمح لوزيرة الداخلية بأن تتحمّل مسؤولية تفكيك «المربّعات الأمنية» المتناثرة التي كانت تحمي مقرّاتٍ حزبية او منازل بعض الشخصيات الاساسية في مواجهة مخاطر الارهاب، وهي تُطلق من جهة أُخرى اشارات مريحة الى الخارج بالترافق مع قرار بعض الدول الخليجية رفع الحظر عن سفر رعاياها الى بيروت، ما يوحي أنّ موسم السياحة سيكون هذا الصيف مزدهراً.
وإذا كان ليس سهلاً على وزراء الداخلية، عموماً، أن يصنعوا «شعبية» واسعة لهم، إلّا أنّ الحسن التي وجدت نفسها فور دخولها الى «الوزارة الحديدية» امام امتحان مضاعف لكونها امرأة، نجحت على ما يبدو في إزالة «المكعبات المعنوية» بينها وبين الشريحة الاكبر من الناس، عبر اتّخاذ قرار «تحرير» العاصمة من القيود التي كانت تكبّل الشوارع السيّئة الحظ.
ولكن، ليست وحدها بيروت التي ستستعيد نبضها الطبيعي تباعاً، إذ إنّ هناك ما يُحضّر لضاحيتها الجنوبية كذلك، فما الذي ينتظرها على هذا الصعيد؟
تستعدّ الضاحية بدورها للتخفيف من «فائض» المظاهر الامنية التي طبعت كثيراً من مداخلها وأحيائها في مرحلة المواجهة مع الارهاب التكفيري خلال الاعوام الماضية، متخذة اشكال الحواجز والمكعبات الاسمنتية والعوائق الحديدية وغيرها من التدابير التي أدّت الى اقفال بعض الشوارع او زيادة زحمة السير في شوارع أخرى، ما تسبّب في توليد شعور بالاستياء والتذمّر لدى غالبية السكان والزائرين الذين كانوا يتفهّمون الحاجة الى تلك الاجراءات ويتحمّلون أعباءها عندما كان الخطر الامني داهماً، إلّا انهم باتوا يعتبرون أنها لم تعد ضرورية وملحّة، عقب نجاح الجيش والاجهزة الامنية و«حزب الله» في ضرب مجموعات الارهاب وخلاياه.
وعُلم انّ اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية يدفع ايضاً في اتجاه تخفيض منسوب التدابير الامنية، استجابةً لمطلب الاهالي، وقد سبق له أن تداول في الامر مع «الحزب» والاجهزة المعنية.
ويتفهّم «الحزب» اعتبارات المواطنين ومعاناتهم اليومية، وهو بحث مع الجيش والاجهزة الامنية قبل فترة في احتمال تخفيف حجم التدابير المتّخذة، لانتفاء الحاجة الى استمرارها بالنمط الحالي، خصوصاً أنّ تنظيم «داعش» تلقى ضربات شبه قاضية في عمقه الاستراتيجي في سوريا والعراق، إضافة الى أنه تمّ القضاء على معاقل الجماعات التكفيرية المسلّحة في لبنان.
ولئن كان أحد في لبنان لا يستطيع ان يجزم بالانتفاء الكلي والنهائي للتهديد الامني، إلّا انّ الاكيد انّ هذا التهديد عاد الى معدّله العادي الذي لا يتطلب اعتماد اجراءات وقائية قاسية، كتلك التي لا تزال تلقي بثقلها على عدد من المداخل والشوارع الحيوية في الضاحية.
وقد أبدى رئيس لجنة التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا كل تجاوب مع مبادرة فتح الطرق أثناء اللقاء الذي جمعه أخيراً مع وزيرة الداخلية ريا الحسن في الوزارة في الصنائع. كان الاجتماع ودّياً ومنتجاً، حيث توافق الجانبان خلاله على مبدأ رفع المكعبات والعوائق الموجودة في بعض أحياء الضاحية، على أن يترافق ذلك مع التقليل من عدد الحواجز قوى الامن الداخلي والامن العام.
والاهم، أنّ الحسن أبدت رغبتها بزيارة ميدانية الى الضاحية قريباً، بغية تفقّد أوضاعها ومعاينة واقعها عن قرب، تتويجاً لعملية ازالة المكعبات والعوائق، على أن تلتقي أثناء جولتها كتلة «الوفاء للمقاومة» في مقرّها في حارة حريك، فأبلغ صفا الى الحسن ترحيب الحزب بهذه الزيارة في ايّ وقت تختاره، قائلاً لها: «أهلاً وسهلاً».
ومن الواضح انّ كلّاً من «الحزب» والحسن يحرصان على بناء علاقة ثقة متبادلة، وهما مرتاحان الى المسار الذي اتّخذته حتى الآن، علماً أنّ قيادة «حزب الله» كانت قد تمنت على الحريري خلال المفاوضات تأليف الحكومة أن يختار وزير الداخلية من غير الاستفزازيين، خصوصاً انه كان يجرى التداول حينها بأسماء من صقور «المستقبل» لتولّي هذه الوزارة، إلّا انّ الحريري طمأن القيادة الى انّ الوزير المقبل سيكون مقبولاً على المستويين الشعبي والسياسي، وهذا ما حصل مع اختيار الحسن، وهو خيار قابله «الحزب» بارتياح.