رُزمة مستجدّات سياسيّة وعسكريّة "غير عاديّة" طفت على سطح المشهد الإقليميّ بشكل متلاحق مؤخرا على وقع تزايد مؤشّرات تدنّي شعبيّة رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو وحزبه في الدّاخل الإسرائيلي، وترجيح عدم الفوز بالإنتخابات "الإسرائيليّة" المُرتقبة في التاسع من شهر نيسان القادم، تزامنا مع تدريبات عسكريّة أميركيّة-"اسرائيليّة" استمرّت اسبوعا كاملا في الكيان "الإسرائيلي" وأعقبها نشر منظومة "ثاد" الأميركية لأوّل مرّة فيه، في وقت استكملت القوّات الأميركية سحب أعداد كبيرة من دواعش ريف دير الزور السوري الى القاعدة العسكرية الأميركية شمال منطقة الأنبار العراقيّة، واكبتها تقارير صحافيّة عبريّة أجمعت على حراك عسكري"اسرائيلي" مُزمع تجاه العراق، كان آخرها ما ذكرته "القناة 13" يوم الثلاثاء الماضي، حيث ذكرت انّ تل ابيب تواصل تكثيف جمع المعلومات الإستخباريّة عن العراق "بهدف إزالة مظاهر التمركز العسكري الإيراني في بلاد الرّافدين"، لتؤكّد القناة ما سبق وكشفت عنه صحيفة "جيروزاليم بوست" في نهاية شهر كانون الثاني المنصرم، وفيه انّ "اسرائيل" تتحضّر للتوجّه شرقا – اي نحو العراق، وإطلاق حملات جويّة هناك".
وسط هذه المستجدّات، برز الحدث الأكبر اقليميّا في زيارة الرئيس السوري بشار الأسد المفاجئة الى طهران، مع ما تعنيه هذه الزيارة من أهميّة بالغة في توقيتها ورسائلها "الى من يعنيهم الأمر"، سيّما انّ هذه المفاجأة علا وقعُها سريعا بمشهد حضور قائد قوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني لقاءَي الرئيس الأسد مع المرشد الأعلى السيّد علي خامنئي كما مع نظيره الإيرانيّ.. مشهدٌ يُدلّل بالطبع على الطابع العسكري لهذا الحضور، وارتباطه بمسائل عسكريّة جرى استعراضها بين المجتمعين، والحديث يدور عن التوصّل الى قرارات تتعلّق ب"أحداث عسكريّة قادمة قد تكون غير متوقّعة في غير جبهة بالمنطقة تُقابل سيناريوهات واشنطن- تل ابيب المُزمعة"، وهو ما لم يستبعده الإعلام "الإسرائيلي" نفسه، مُدرجا الزيارة "المفاجئة والإستثنائيّة" بـ"عمل عسكري مُحتّم قادم" – حسب تعقيب قناة "كان" الإسرائيليّة.
على الفور تلقّفت تل ابيب "رسائل طهران"، وسريعا حطّ بنيامين نتياهو في موسكو، ونجح بانتزاع موافقة على لقاء الرئيس الروسي بعد طول انتظار، وبعد إلغاء زيارته السابقة في اللحظة الأخيرة.. هذه المرّة حمل ملفّات وصفتها الصّحف الروسيّة ب"الحسّاسة" لعرضها امام الرئيس بوتين، بينها "خريطة أهداف معادية" تنوي "اسرائيل" قصفها في سورية - وفق ما ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الرّوسيّة، "مع تعهّد نتنياهو استبعاد تعرّض العسكريين الرّوس للنّار أثناء القصف". ولم تُغفل الصحيفة التوقّف عند "التوقيت السيّء" لزيارة نتنياهو الذي يقترب تقديمه للعدالة بتُهم الفساد، وعليه يُمسك بأوراق "عسكريّة" ينوي ترجمتها على الأرض التفافا على المحاكمة المُحتّمة.
اللافت الذي يستوجب التوقّف عنده في كواليس لقاء بوتين- نتنياهو، يتعلّق بتسريبات الأخير عن توجّه بوتين لإنشاء "مجموعة عمل دوليّة" تتعلّق بتثبيت الإستقرار في سورية، وتتضمّن إخراج القوات الأجنبيّة من هذا البلد بما فيها الإيرانيّة.. بمشاركة "اسرائيل"!.. وفيما زعمت صحيفة "معاريف" العبريّة انّ نتنياهو حصل على 3 ضمانات من بوتين تتضمّن عدم السّماح للجيش السوري باستخدام منظومة "اس300" لمواجهة ايّ غارات "اسرائيليّة" على سورية، وإنشاء طاقم سياسي روسي-"اسرائيلي" لإخراج القوات الأجنبيّة والسّماح بحريّة عمل "اسرائيل" في سورية، لفتت صحيفة "جيروزاليم بوست" الى انّ نتنياهو أبلغ بوتين بجملة الأهداف المعادية التي سيتمّ قصفها على الأراضي السورية حتى لا تتفاجأ روسيا عند تنفيذ الضربات، كاشفة انّ بوتين قدّم عرضا لضيفه يقضي بأن تساعد روسيا "اسرائيل" في سورية، مقابل إشراك الرّوس بالعمليّة الدبلوماسيّة المتعلّقة بالقضيّة الفلسطينية وعمليّة السلام.
قد تكون كل هذه التسريبات من باب محاولات تل ابيب "دقّ اسفين" بين موسكو وطهران، ولربما عاد نتنياهو أدراجه ببعض التطمينات حيال عدم السماح بتشغيل منظومة "اس300" ضدّ ايّ ضربات صاروخية "اسرائيليّة" على سورية.. فروسيا خارج محور المقاومة في الصراع مع "اسرائيل"، او على الأقلّ تتخذ موقف الحياد بين "اسرائيل" وايران، والمسؤولون الرّوس لا يُخفون خطوطهم الحمر امام ايّ خطر يتهدّد أمن هذا الكيان، الذي اعتبره نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف "اولويّة بالنسبة لروسيا".. ولكن، هل تتّكئ سورية ومحور المقاومة حصرا على هذه المنظومة عند اندلاع الحرب مع "اسرائيل"؟ لطالما أقرّت وسائلها الإعلامية وخبراؤها العسكريّون وقادة جيشها ومسؤولوها الأمنيّون انّ رياح الحرب السوريّة آلت في نهايتها الى عكس ما اشتهت سفنُ "اسرائيل"، "وبات لدى سورية مخزون صاروخي استراتيجي يفوق بأضعاف ما كانت تمتلكه قبل عام 2011".
وعليه، لا يستبعد مصدر صحافي عراقي تسلُّم قائد قوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قرارا عسكريّا كبيرا أوكل اليه خلال زيارة الرئيس السوري الى طهران، مكتفيا بترجيح اقتراب حدث عسكري غير مسبوق تُسجّله الدفاعات الجويّة السوريّة لحظة ايّ عدوان "اسرائيلي" جديد على سورية، ويأتي بمنزلة "هدف ذهبي" سوري في مرمى تل ابيب.