ماذا يحصل على الساحة الدُرزيّة اللبنانيّة؟ وهل الإنقسام الحالي هو سياسي بين "الحزب التقدمي الإشتراكي" من جهة وكل من "الحزب الديمقراطي اللبناني" و"حزب التوحيد العربي" من جهة أخرى، أم أنّه يتجاوز السياسة ليشمل المرجعيّات الدينيّة في ظلّ وُجود شيخين للطائفة، أحدهما مُنتخب ومُعترف به من جانب الدولة اللبنانيّة، والثاني مُعيّن ويُمارس دوره بحكم الأمر الواقع، مُستفيدًا من إصطفاف بعض المرجعيّات السياسيّة والمذهبيّة من لون سياسي واحد خلفه؟ وماذا عن الدور السُوري في تحريك هذا الصراع الحسّاس؟.
بداية لا بُد من التذكير أنّ طائفة المُوحّدين الدُروز عانت منذ عُقود طويلة من إنقسام بين ما كان يُعرف بإسم "اليزبكيّة" و"الجنبلاطيّة"، بسبب تداخل السياسة بالدين من جهة والزعامات بالمصالح من جهة أخرى. وفي التاسع من حزيران من العام 2006، صدر "قانون تنظيم شؤون المُوحّدين الدُروز" في لبنان، والذي قضى بإنشاء "المجلس المذهبي لطائفة المُوحّدين الدُروز"(1)، وبانتخاب شيخ عقل طائفة المُوحّدين الدُروز وفقًا لأحكام هذا القانون، وبتحديد الكثير من السُلطات والصلاحيّات. لكنّ إنتخاب الشيخ نعيم حسن، شيخَ عقلٍ لطائفة المُوحّدين الدُروز دفع بالمُعارضين السياسيّين، وتحديدًا برئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان، إلى تسمية الشيخ ناصر الدين الغريب، شيخًا للعقل في الرابع والعشرين من أيلول من العام 2006، مدعوما من عدد من المشايخ.
وبعد سنوات من الأخذ والردّ بين المرجعيّتين، بما تُمثّلان من إمتدادات دينيّة ومذهبيّة، جاءت دعوة الشيخ الغريب إلى جانب الشيخ حسن إلى فعاليّات القمّة العربية الإقتصاديّة التي عُقدت في بيروت أخيرًا، لتُجدّد الخلاف بين الطرفين، قبل أن يأتي قرارٌ من جانب السُلطات السُوريّة ليصبّ النار على زيت الخلاف، حيث قضى الإجراء السُوري المُستحدث بحُصول مُطلق أي شيخ دُرزي لبناني يرغب بالذهاب إلى سوريا على بطاقة بإسمه مُوقّعة من جانب الشيخ الغريب المحسوب سياسيًا على حلفاء النظام السوري داخل الطائفة، علمًا أنّ الدولة اللبنانيّة لا تعترف سوى بالشيخ الحسن كممثّل رسمي لطائفة المُوحّدين الدُروز. وبالتالي، بات لزامًا على المشايخ الدُروز الذين غالبًا ما يتنقّلون بين لبنان وسوريا بحكم وجود الكثير من أبناء الطائفة في سوريا(2)، المُرور بالمرجعيّة التي فرضها النائب أرسلان للتوجّه إلى سوريا، مع ما يعنيه هذا الأمر من قُيود سياسيّة ودينيّة على المشايخ المُؤيّدين للمرجعيّة الدُرزيّة المُنتخبة.
ويبدو أنّ ما توقّع الوزير السابق وليد جنبلاط بحُصوله منذ أشهر، من حصار سياسي له، ماض قُدمًا على غير صعيد، حيث أنّه بمُوازاة وضع إسم جنبلاط على لائحة أصدرها النظام السُوري وتتهم شخصيّات وكيانات عربيّة ودوليّة بتمويل الإرهاب في سوريا(3)، جرى حصر عمليّة دُخول المشايخ الدُروز من لبنان إلى سوريا بمرجعيّة مذهبيّة تُمثّل الخط السياسي المُؤيّد للنظام السُوري، وهي مدعومة من قبل كل من النائب أرسلان والوزير السابق وهّاب. ومحليًا، وفي الوقت الذي يجري فيه تعويم مرجعيّة الشيخ الغريب من قبل بعض القوى والأطراف السياسيّة، في تحدّ لقرارات "المجلس المذهبي لطائفة المُوحّدين الدُروز" المُعترف به رسميًا من جانب الدولة اللبنانيّة، يُحاول كل من أرسلان ووهّاب فرض حيثيّة سياسيّة مُوازية لحيثيّة جنبلاط، لمنعه من إحتكار التعيينات والمناصب العائدة لطائفة المُوحّدين الدُروز، على الرغم من أنّه يُمثل الأغلبيّة العدديّة فيها. إشارة إلى أنّ جنبلاط يُواجه هذه الضُغوط السياسيّة والدينيّة المُستجدّة، بسياسة هادئة تُخفّض حدّة المُواجهة الإعلاميّة، لكنّها صلبة من حيث التمسّك الميداني بالمكاسب المُحقّقة من جانبه، ولعلّ سلسلة التعيينات الأخيرة هي خير دليل على ذلك.
إشارة إلى أنّ إستحقاق إنتخاب شيخ عقل جديد لطائفة المُوحّدين الدُروز مُحدّد في قانون المجلس المذهبي في العام 2021، أي عند إنقضاء فترة 15 عامًا من ولاية الشيخ الحسن، ما يعني أنّ واقع الإنقسام الحالي مُرشّح للتمدّد إلى هذا التاريخ بأقلّ تقدير، علمًا أنّ كل المُؤشّرات والدلائل الحاليّة تؤكّد أنّ معركة الإنتخابات المُقبلة على الساحة الدُرزيّة ستكون معركة "كسر عضم" وستشهد مُحاولات إلغاء مُتبادلة. وإلى ذلك الحين، الصراع مفتوح على مصراعيه بين المرجعيّات الدينيّة والسياسية في الطائفة، وكل كلام عن تهدئة ما هو إلا مُحاولات لإخفاء النار المُشتعلة تحت الرماد، والتي يبدو أنّ النظام السُوري عاد إلى الدُخول بقُوّة على خطّها، إنتقامًا رُبّما من مواقف جنبلاط في المرحلة الماضية.