لم تحلمْ طائفةٌ عبر تاريخها بمرجعيةٍ روحيةٍ تُنظمُ أحوالها كما حلمتِ الطائفة العلوية في لبنان، ولم ينتظرْ شعبٌ ولادةَ مجلسٍ مِلِّيٍّ يعكس شخصيته المغمورة عبر كل الأجيال كما انتظره الشعب العلوي.
وامتطى حلمها وصوليون استغلوا حاجتها وفاقتها، ومارسوا عليها في غفلةٍ تاريخيّة عن أمرها أبشع أنواع الظلم باسمِ حماية العلويين. ولا نقول هُنا: وظلم ذوي القربى، فلم يكونوا يوماً أقرباء، فالقرابة تحتاج إلى مودة، كما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
وَوُلِدَ المجلس المُنتظر، وبُنِيَتْ عليه الآمالُ التي طاولتِ السماء.
وإذا قلنا أن مصائب قوم عند قومٍ فوائد، كان المجلس العلوي ذا فائدة محصورةٍ مُسجلةٍ بالتمديد القسري والإستقواء الخارجي باسم شخصٍ بعينه، وليمتِ الجميعُ قهراً.
أمَّا إذا كان المبدأ العادل: ما بُنيَ على باطلٍ فهو باطل، فبالجزمة العسكريّة، وبالعصى الغليظة سيق الجميع للمبايعة، ومن احتج طُرِدَ وفُصِل عقده الوظيفي الذي يُطعم به أولاده.
وبعقود شراء الخدمات ابتزوا كل موظفٍ فيه دون تثبيت لمدة عقدين تقريباً، ويتنامى إلينا كل فترة عن إذلالِ موظفٍ من هنا، واستعباد آخرٍ من هناك، بهمجيةٍ فرعونية لم نقرأ عنها إلاَّ في أقبية أجهزة الاستخبارات الظلامية.
آلاف الحسابات الوهمية، وملايين التهم، ومليارات اللعنات ستنهار على كل من يقترب بنقدٍ أو يحتج على أداء سيءٍ. واستمر المجلس العلوي بالرقص على جثثنا المدفونة تحت رحمة كتبة تقاريره، وعتبة من يدّعي أنه صاحب قرار مصيره.
وعاشَ أعضاء هيئتيه العنجهيّة بأبعد أبعد حدودها لمدة 16 سنةٍ وتزيد.
ولو رجع الأمر إليهم، فلن يغادروا مراكزهم إلى أقرب أَجَلَيْنا: أن يموتوا هم، أو نموت نحن.
ولم يمتلك عُضوٌ منهم شغفَ الاستقالة تبرئةً لساحته من استباحة قيمة العلويين، وتلبية لحسراتِ شبابهم باستبعادهم عن الانخراط في هذا النسيج اللبناني.
فقتلوا أحلام شعبهم بالنهوض.
وعاشوا غير آبهين ولا مبالين بتاريخٍ سَيُكْتبُ، أو بمعجزةٍ ستحصلُ..
فالتغييرُ المرجو بالنيابةِ، سخروا منه؛ فكل نائبٍ يأتي ضعيفاً هشاً رغم بدانتهِ أو استطالته النيابية أو المالية وربما الأمنية.
حتى جاءَ قرارُ رئيس الحكومة اللبنانية تاريخ 28/2/2019 يطلبُ من جانب المجلس الإسلامي العلوي: "العَمَلَ على اتّخاذ الإجراءاتِ اللازمة والسير بالانتخاباتِ بأسرعِ وقتٍ مُمكنٍ". بعدَ أنْ فَنَّدَ الأسبابَ الموجبة للإنتخابات كالتالي: "لما كانت ولاية الهيئتين الشرعية والتنفيذية لدى المجلس الإسلامي العلوي قد انتهتْ منذ العام 2013، ولما كان منصبُ الرئيس قد شغر بالوفاة منذ العام 2017، وبعد انتفاءِ الأسباب التي كانت تحول دون إجراء الانتخاباتِ".
وغَسلَ النائبانِ أيديهما من هذا القرار الذي كنا نظنُّ أنه جاءَ بعدَ كتابٍ أرسلاه إلى أمانة مجلس الوزراء بضرورة الانتخاباتِ، فَخَيَّبا الظنَّ بهما، وكل الذي اعترفا به أنه بعد أن أرسل نائب الرئيس الحالي كتاباً إلى الأمانة العامة برفع مخصصاته، وأُدْرج بنداً على جدول أعمال مجلس الوزراء تاريخ 21/2/2019، أرسل النائبان رسالة إلى السادة الوزراء برفض هذا المقترح. فجاء القرار عكس ما يتمنونه بالعمل على اجراء الانتخابات ورفض زيادة المخصصات. والمدهش في هذا الأمر أنني أنا الفقير تبلغت بالكتابِ بعد أسبوعٍ من صدوره من قبل أحد الأصدقاء المطّلعين فَسُرِرتُ كثيراً، واتصلتُ بطريقةٍ مباشرةٍ وغير مباشرةٍ بالنائبين اللذين لم يكونا على علمٍ بالموضوعِ حسب تعبيرهما، فنشرتُ القرار ليلاً على صفحتي الشخصية مما اضطرهما في اليوم الثاني إلى نشره. ولو لم تقف الصدفة معي لما كانا قد اعترفا أبداً بصدورِ هكذا قرارٍ.
وعُقدَ اجتماعٌ مع نائبٍ بعد أن تخلفَ الآخرُ كعادته، فََعَقَ النائبُ الذي حضر بامتعاضه من إجراءِ الانتخاباتِ، وأنه تفاجأ بالقرار الذي تبلغه من أمانة مجلس النواب بعد 8 أيام، أمَّا زميله المتخلّف دوماً فقد تبلغ القرار في اليوم الثاني لكنه لم يبلغه به... وتابع نائبنا قائلاً للحضور: إن إجراء انتخابات شاملة قد يسبّب مشاكل لا حصر لها، ومن يقدر على ضبط الشارع؟ أنا سأرفع مشروعاً إلى دولة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإملاءِ شواغرِ الهيئتين وانتخابِ رئيسٍ ونائبهِ لمدةِ سنةٍ كمرحلةٍ انتقالية. سأسيرُ به لوحدي إذا رفضَ زميلي. ثم أردفَ قائلاً: إن القيادة السورية لا تريد انتخابات؟ قاطعه أحدهم: من هي هذه القيادة؟ فتهرب من الإجابة.
تهويلٌ في تهويلٍ، كأنَّ الأشقاء السوريين لا يريدون لنا كل خير؟ وكأنهم يرضون بهؤلاءِ الظلمةِ أن يستمروا في اضطهادنا باسمهم؟.
وعن رؤيته لرجل الدين، ما هو المعيارُ العلمي الذي سيُعتمدُ في اختياره؟ قالَ ويا للأسفِ: كل من يعتبر نفسه شيخاً سنعتبره شيخاً، وبالأخير سيتم انتخاب 20 شيخاً فقط في الهيئة العامة (تنص المادة السادسة من قانون المجلس، تتألف الهيئة العامة، البند 5: 20 من علماء الدين ينتخبهم مجموع علماء العلويين).
ولو كتبتُ كل ما قاله لدخلتُ في الشخصي، الذي أنأى بنفسي عن الدخول فيه، وبدتْ مشكلته كل مشكلته مع نائب الرئيس الحالي فقط، أما باقي الأعضاء فلا مشكلة لديهم: فيجب التمديد لهم، وحفظ حقهم في الترشح اللاحق. وكأنَّ 16 سنة غير كافيةٍ ليشبعوا نهمهم من استغلال مراكزهم الذي يرضي شخصيتهم.
ويا للعجب كيف يرتضون الانتساب إلى الفسادِ، بل ويصرّون على التمسك به حتى الرمق الأخير. كأن التاريخ سيرحمهم. مع أن بعضهم ناجحون بمهنةٍ إنسانية راقيةٍ.
أما النائب المتخلفُ عن الحضور فلا تعرفُ له وجهةً عقليةً ولا فكرية تبني عليها، يريد شيئاً لا تفهمه، بل لا يريد شيئاً، وبين يريد وما لا يريد، عليك أن تبحثَ عن حلول أحجياتٍ تُعْجزُ كل سحرةِ العالمِ، وتفشل أمامها كل معادلاتِ الرياضيات والفلسفة.
وانقلبتْ فرحتنا بقرار الحكومة إلى نكدٍ، بمنغصاتِ النائبين، اللذين كما يبدو يبحثُ كلٌّ منهما عن عُصفورهِ، فإذا ضمنه ضمن قفصه سارَ بالانتخاباتِ، وإذا لا، فالعصفور الجريحُ أفضلُ بكثيرٍ من أسدٍ يرعب شخصيتهم المترهلة بزئيره.
فالقضية أيها السادة هي قضية ثقة بنفسٍ، ومن ثم ثقةٌ بشعبهم.
يستجدون تبعيةً ليرسمونها قيادة لهم، ثم يفرضونها على ناسهم..
ويلعبون على المصطلحات تضليلاً إعلامياً باستخدامِ تارة: انتخابات جزئية، أو انتخابات رئيس ونائبه، أو انتخاب لفترة موقتةٍ. ويرفضون الترميم تذاكياً منهم. وكل هذه المصطلحات لا تعني إلاَّ التمديد ولا شيءَ سوى التمديد.
ويبقى الحل بيد رئيس الحكومة، ومن يقول من حلفائنا في الحكومة: أنه نصيرٌ للمظلومين، أن يتابعوا موضوع اجراء الانتخابات حتى الوصول بنا إلى هيكليّة شاملةٍ جديدةً: تساعد في بناء الوطن، وترفع مستوى الطائفة.
وفي وقتٍ ينادي به كل لبنان بمحاربة الفساد، وكل يومٍ يُفتحُ ملفٌ، ويقبضُ على آخرَ، إلاَّ نائبانا، يريدان التمديد للفساد، والتجديد للمفسدين.
وإذا انتقدنا هذا الوضع المتذبذبُ: بين السيءِ والأسوأ، أخذاها بمنحىً شخصيٍّ لا أسعى إليه ولا أريده، وأصبحنا حيارى بين أن نقولَ الذي قلناه الآنَ فيسببُ لنا مشكلةً شخصيةً، أو نبلعَ لساننا ليأكله القطّ، ويكون بذلك نقصاً في الناموس.
ونحن ، نعم نحن، هذا الشعب الطيبُ المغلوب على أمره، صحَّ علينا مثل أفلاطون بقوله: "إن من أفظع أعمال الرعاة وأدعاها إلى الخزي في الرعية: أن كلابهم التي ربّوها لحراسة القطيع، تهجم على الأغنام، إمّا لسبب جوعها، أو نهمها، فتمزّقها بأنيابها، فتكون ذئابا لا كلابا. (جمهورية أفلاطون: نقلها إلى العربية حنا خباز، ص157).