في ظل إصرار "حزب الله" على الذهاب بعيداً في معركة مكافحة الفساد، التي كانت قد بدأت من خلال فتح ملف الحسابات الماليّة، بدأت بعض الأوساط في تيار "المستقبل" الترويج لمعادلة أنّ التحقيق في إمكانيّة أن يكون هناك أي شبهات حول رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، من المفترض أن تكون من صلاحيات المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، المشكل حديثاً في جلسة المجلس النيابي الأخيرة.
ما تقدم يفتح الباب أمام سجال من نوع آخر، حول الجهة التي من المفترض أن تحقق في هذا الملف، بغض النظر عن النتيجة التي من الممكن أن تصل إليها التحقيقات، نظراً إلى أن تحويل الملفّ إلى المجلس يعني إستحالة الوصول إلى أيّ نتيجة، بسبب الآليّات التي ينصّ عليها القانون الخاص به، خصوصاً لناحية ضرورة توفّر ثلثي أعضاء المجلس النيابي لتوجيه أيّ اتّهام.
في هذا السياق، ترى مصادر قانونيّة مقربة من تيار "المستقبل"، عبر "النشرة"، من المنطقي أن يكون أي تحقيق من هذا النوع من صلاحيّات المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، نظراً إلى أن الملف الذي يُحكى عنه يتناول تصرفات السنيورة عندما كان في موقع المسؤولية، سواء عندما كان وزيراً أو رئيساً للحكومة، وبالتالي لا يمكن أن يكون من صلاحيات القضاء العادي.
وتذكر هذه المصادر بأنّ هذا الواقع طُبّق في وقت سابق، عندما شُكّلت لجنة برلمانية للتحقيق في إحتمال تورط الرئيس الأسبق أمين الجميل في ما يعرف بصفقة طوافات البوما الفرنسية بعد نهاية عهده، ثم عندما فتح ملف التحقيق ببيع الوزير السابق شاهي برصوميان رواسب نفطية، حيث سحب الملف من القضاء العدلي وأعيد إلى المجلس النيابي، وبالتالي أي تحقيق في الملف الذي يُحكى عنه اليوم من المفترض أن يبدأ من المجلس النيابي على أن ينتقل بعد ذلك إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
على هذا الصعيد، يحدّد قانون أصول المحاكمات أمام المجلس المذكور أنّ طلب الإتهام يقدم بموجب عريضة يوقع عليها خمس أعضاء من المجلس النيابيّ على الأقل، ليدعى بعدها الى جلسة خاصة، تنعقد بعد عشرة أيام تلي تبليغ الشخص المتّهم بنسخة عن طلب الاتّهام، وبعد أن يستمع إلى مرافعة الادعاء الممثّل بأحد موقّعي طلب الاتهام والدفاع، يقرر المجلس بالأكثرية المطلقة من أعضائه إما إحالته فوراً إلى لجنة نيابيّة خاصة تدعى "لجنة التحقيق" قبل التصويت على طلب الاتهام أو رده.
في هذا الإطار، يوضح الخبير الدستوري والباحث السياسي عادل يمين، في حديث لـ"النشرة"، أنّ صلاحيات المجلس تشمل رؤساء الجمهوريّة والحكومة والوزراء الحاليين والسابقين في حال كانت الإرتكابات حصلت خلال توليهم المسؤولية، ويلفت إلى أنه في حال كانت الملاحقة شخصيّة لرئيس أو وزير شيء بينما في حال كانت لموظفين تعتبر شيئا آخر، نظراً إلى أنه في الحالة الثانية لا حاجة للمجلس الأعلى، والمتابعة تكون أمام القضاء العدلي.
بالإضافة إلى ذلك، يشير يمين إلى أنه في الحالة الأولى هناك وجهتي نظر، الأولى تعتبر أن ملاحقة الرؤساء والوزراء من صلاحية المجلس الأعلى بصورة حصريّة، أيّ أنه لا يمكن ملاحقتهم بسبب إخلالهم بواجباتهم إلا أمامه، في حين أن الثانية تعتبر أن الملاحقة من الممكن أن تتم أمام القضاء العدلي أيضاً، لأنّ اختصاص المجلس ليس حصرياً إنما هو إختياري، ما يعني أنه في حال لم يتحرك البرلمان للإتهام والإحالة من حق القضاء العدلي التحرك والإدعاء.
في المحصّلة، درجت العادة في لبنان على وصف اللجان بأنها "مقبرة المشاريع"، في حين أن تاريخ المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لا يشجّع على تعليق الآمال بالوصول إلى نتيجة، لا سيّما لناحية الأغلبيّة اللازمة لتوجيه أيّ إتهام، بغضّ النظر عن تركيبة المجلس نفسه.