أفشل صمود المقدسيين والاتصالات التي أجراها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مخطّطاً إسرائيلياً قديماً - جديداً، بتقسيم المسجد الأقصى المبارك، مكانياً وزمانياً، حيث أعلنت شرطة الإحتلال ليلاً عن أنّها "ستفتح أبواب المسجد الأقصى صباح غدٍ الأربعاء (اليوم) أمام المصلّين والسيّاح".
هذا في وقت، حمّلت فلسطين والأردن حكومة الإحتلال المسؤولية الكاملة عن التصعيد الخطيرة وتداعياته، والذي يُعتبر "جس نبض" إسرائيلي، في إطار محاولة تهويد المدينة المقدّسة، مع اقتراب الانتخابات العامة في 9 نيسان المقبل، ومحاولة كسب صوت اليمين المتطرّف.
فقد استباحت قوّات الإحتلال أمس (الثلاثاء) المسجد الأقصى المبارك، معتدية على المصلّين والمرابطين داخله بالضرب المُبرح، ما أدّى إلى إصابة عدد منهم بجراح، كما اعتقلت عدداً منهم بينهم نساء وفتية.
وأقدمت على إغلاق أبواب البلدة القديمة، مانعة الدخول إليها، وكذلك إقامة صلوات العصر والمغرب والعشاء داخل المسجد، فاعتصم المقدسيون، مُصرّين على أدائها في منطقة باب الأسباط، بدءاً من ساحة الغزالي الملاصقة لباب الأسباط - أحد أبواب الأقصى - مروراً بطريق باب الأسلاك، وصولاً إلى الشارع الرئيسي، وفي طرقات البلدة القديمة.
وأُدّيت الصلوت على الأرض، بعدما أقدم جنود الإحتلال على ضرب المقدسيين، والاعتداء عليهم، ومصادرة سجّادات الصلاة منهم.
فمنذ الساعة الواحدة والنصف ظهراً، أقدّمت قوّات الإحتلال على إبعاد الموظّفين والمصلّين وطلبة المدارس الشرعية من داخل المسجد الأقصى المبارك، وأغلقوا كافة أبواب المسجد، مانعين الدخول إليه، كما أغلقوا أبواب البلدة القديمة، ومنعوا الدخول إليها.
ومنعت قوّات الإحتلال الفلسطينيين من الوصول إلى الشوارع القريبة للمسجد الاقصى؛ لأداء الصلوات، ما دفعهم لأدائها في محيط باب الأسباط المغلق.
وذكر شهود من داخل المسجد الأقصى المبارك، أنّهم سمعوا أصوات مفرقعات داخله، ثم شاهدوا ألسنة لهب ترتفع من داخل مركز شرطة الإحتلال في الأقصى، وزعمت مصادر إعلام العدو أنّه "تمَّ إلقاء زجاجات حارقة "مولوتوف" على مركز الشرطة".
وخلال دقائق معدودة اقتحم العشرات من الضبّاط والجنود والقوّات الخاصة والشرطة ساحات المسجد الأقصى المبارك من جهة باب المغاربة، وصولاً إلى مسجد قبّة الصخرة المشرّفة، واعتدوا بالضرب المبرح على جميع المتواجدين داخل مساجد وساحات الأقصى، وفي طليعتهم: محافظ القدس عدنان غيث رجال الدين وموظّفو الأوقاف وعدد من العاملين فيه، متسببين بأجواءً من الهلع في صفوف النساء والأطفال، قبل أنْ يعتقلوا عدداً من الفتية والشبان.
ونفّذت قوّات الإحتلال الكثير من الإجراءات العنصرية ضد مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، ومن بينها، فرض طوق أمني في البلدة القديمة، وإدخال حافلة كبيرة من باب الأسباط إلى داخل المسجد الاقصى، لم يُعرف ماذا تحتوي، بالإضافة إلى إطلاق طائرات بدون طيّار تحمل أجهزة مراقبة في سماء مدينة القدس.
من جهتها، شجبت الرئاسة الفلسطينية "التصعيد الإسرائيلي الخطير في المسجد الأقصى"، محذّرة "من التداعيات الخطيرة التي يتسبّب بها هذا التصعيد العدواني ضد المواطنين الفلسطينيين، والمصلّين داخل المسجد الأقصى المبارك، والاعتداء من قِبل جنود الإحتلال على النساء داخل قبّة الصخرة المشرّفة".
ودعت الرئاسة "المجتمع الدولي إلى التدخّل العاجل لمنع التصعيد في المسجد الأقصى المبارك، نتيجة إمعان قوّات الإحتلال وقطعان المستوطنين في انتهاك حرمة المسجد، واستفزاز مشاعر المسلمين، وذلك من خلال الاقتحامات وانتهاك حرمة الشعائر الدينية، التي كان آخرها قيام أحد جنود الإحتلال بدخول المسجد بحذائه حاملاً معه زجاجة من الخمر، في اعتداء صارخ على قدسية المسجد وحرمته".
وحيّت "صمود أبناء شعبنا المرابط في مدينة القدس والمسجد الاقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين".
وأكدت الرئاسة أنّ "الرئيس محمود عباس يجري اتصالات مكثّفة مع الجهات كافة ذات العلاقة، وتحديداً مع الأردن الشقيق للضغط على حكومة الإحتلال لوقف هذا التصعيد الخطير".
هذا في وقت، اعتبرت "اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين" أنّ "هذه الانتهاكات خرق لحرية العبادة التي تضمنها المواثيق الدولية كافة"، مؤكدة أنّ "الجميع مستهدف من قِبل حكومة الإحتلال المتطرّفة، التي تسعى إلى تضييق الخناق على المواطنين الفلسطينيين في العاصمة المحتلة القدس، سعياً منها لتفريغها من سكانها المسيحيين والمسلمين".
ورأت أنّ "استهداف الأقصى، هو استهداف لكنيسة القيامة، وكل المقدّسات المسيحية والاسلامية، وأنّ هذه الانتهاكات لن تثنينا عن الرباط والتصدّي لها"، داعية "المجتمع الدولي ودول العالم الاسلامي والمسيحي إلى التدخّل الفوري لوقف هذه الاعتداءات، وحماية المسجد الأقصى، وكافة المقدّسات في القدس من الهجمات المستمرة التي تتعرّض لها".
من جهته، استنكر إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس "الهيئة الاسلامية العليا" بالقدس الشيخ عكرمة صبري "ما قامت به سلطات الإحتلال من إغلاق للأبواب الخارجية للمسجد الأقصى المبارك، دون مبرّر بهدف الهيمنة على الأقصى المبارك".
فيما اعتبر محافظ القدس عدنان غيث أنّ "استباحة المسجد الأقصى المبارك وتقسيم الأرض الفلسطينية عبر المستوطنات وجدار الفصل العنصري، جزء من مخطّط مدروس أميركي إسرائيلي".
ودعا غيث إلى "وقفة عربية جدية وجادة، والإعداد الجيد لمقارعة الإحتلال، ودحره عن الأرض الفلسطينية، وإفشال المؤامرات الدولية الاستعمارية في المنطقة العربية".
إلى ذلك، حمّل وزير الأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلامية الأردني عبد الناصر أبو البصل "السلطة القائمة بالإحتلال مسؤولية ما جرى في المسجد الأقصى المبارك"، معتبراً أنّه "انتهاك خطير لجميع المواثيق والقوانين والأعراف الدولية".
ووصف أبو البصل في بيان صحفي الاعتداء الإحتلالي بأنّه "اعتداء على جميع المسلمين، وأنّ أي اعتداء على أي جزء من المسجد الأقصى المبارك، أو العاملين به يمس الأمة الاسلامية كافة، ويوحّدها جميعاً لحماية قبلة المسلمين الأولى، ومسرى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه للمساوات العلى".
في غضون ذلك، شهدت مدينة سلفيت مواجهات بين أبنائها وقوّات الإحتلال الإسرائيلي، التي أطلقت الرصاص الحي والمغلّف بالمطّاط باتجاه المواطنين، ما أدّى إلى استشهاد الشاب محمد جميل شاهين (23 عاماً)، وإصابة أكثر من 40 شخصاً بالرصاص والغاز المسيل للدموع.
وكان الشاب شاهين قد أُصيب بعيار ناري في القلب، ونقل إلى "مستشفى سلفيت الحكومي" لتلقي العلاج، وأعلن عن استشهاده بعد فترة قليلة من دخوله المستشفى.
وأفادت الطواقم الطبية بـ"الهلال الأحمر"، بأنّها "تعاملت ميدانياً مع 40 إصابة بالمطّاط والغاز المسيل للدموع خلال المواجهات مع قوّات الإحتلال في سلفيت".
وكانت قوات الإحتلال التي داهمت المدينة بأعداد كبيرة، وتمركزت على مفارق بعض الطرق، استولت على عدد من كاميرات المراقبة من المنشآت والمحال التجارية.
وفي وقت سابق ظهر أمس، كانت وزارة الصحة قد أعلنت عن استشهاد الشاب ياسر فوزي فوزي الشويكي (36 عاماً)، الموظّف في المحكمة الشرعية، برصاص الإحتلال الاسرائيلي، بالقرب من بناية الرجبي في منطقة الراس، القريبة من مستوطنة "كريات أربع" في مدينة الخليل، بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن، وهو ما نفته عائلته.
وقال فوزي الشويكي: "سمعتُ إطلاق رصاص على شاب من الخليل، وتبيّن في ما بعد أنّ هذا الشاب هو نجلي ياسر، الذي يعمل كمحضر في المحكمة الشرعية، وكان يقوم بعمله في تسليم بلاغات من المحكمة الشرعية في تلك المنطقة".