خلال الأسبوع الفائت كان فرح كبير بانعقاد الاجتماع التأسيسي للهيئة الوطنية لإحياء المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني.
فقد شرفني حشدٌ من قامات وطنية نيابية ووزارية، وممثلون كبار للمرجعيات الروحية والسياسية، ونقيبا الصحافة والمحررين ورؤساء الجامعات وقادة فكر ورأي، وممثلون لمؤسسات تهتم بالثقافة، وأساتذة جامعيون وباحثون وكتاب، لبوا دعوة جمعية المعلم بطرس البستاني لهذا الاجتماع، وكم كان الفرح كبيراً باكتشاف أنّ هذا الحضور الجامع والممثل لمكونات نسيجنا الوطني، لم يكن مجرد تعبير عن مجاملة بل تعبيراً عن عمق المكانة الرفيعة التي يحتلها المعلم بطرس البستاني وأفكاره وإنجازاته ومسيرته لدى الحضور على اختلاف مشاربهم ومواقفهم، وما سمعناه في الإجتماع من كلمات رسمية ومداخلات في جلسة التشاور المفتوحة، أكد لنا أن ضعف التداول بمنجزات المعلم بطرس البستاني لا يعبر عن حقيقة الواقع لجهة مكانته المحفورة بأحرف من نور في الذاكرة اللبنانية وذاكرة اللبنانيين، وقد قدم كل من المشاركين مقاربة أغنت جانبا من جوانب شخصية هذا الرجل العظيم في تاريخ لبنان والبلاد العربية، وأضاءت على وجه من وجوه عظمته، وقدمت مقترحا يضيف لجدول أعمال إحياء هذا العام بصفته عام المعلم بطرس البستاني.
شعرتُ وزملائي الذين شاركوني التحضير بأننا أمام مسؤولية كبرى، فاقت ما كان في تقديراتنا للمهمة، وقد كانت الحماسة والحرارة التي تحضر في كلمات المشاركين تزيدنا ثقة بأننا أصبنا في رفع الراية لإحياء المئوية الثانية للمعلم بطرس البستاني، فقد شعرنا أنّ هناك رغبة عميقة في صدرِ كلٍّ من الذين شاركونا، وبالتأكيد في صدور الكثيرين من الذين غفلت علينا دعوتهم أو لم تتسع طبيعة الدعوة ومكانها لهم، وسيكون لهم المجال المتاح في أنشطة الإحياء اللاحقة، بأن نجعل من تكريم وإحياء المئوية الثانية للمعلم بطرس البستاني، مناسبة وطنية كبرى تجمع اللبنانيين، وتحيي فكر النهضة بالوطن بينهم، وتعيد التاسيس لمفاهيم الدولة المدنية، وتشتغل على تجذير اللغة العربية بين أجيال شبابنا، وتكرّس النظرة الرسالية التي نظر من خلالها المعلم بطرس البستاني للمرأة ودورها، وللتعليم ومكانته، وللصحافة الحرة والإعلام الحر ومسؤوليتهما .
أقتبس من كلمة رئيس الهيئة دولة نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي قوله «نردّد أنّ لنا الحق بالحلم، أن نحلم بأننا نكرم ما في هذا المعلم الذي علمنا أنّ اللغة عبقرية الهوية، وأنّ الدين لله والوطن للجميع، وأنّ حب الوطن من الإيمان، وأنّ الأمة تكون نظير حال المرأة فيها، لأننا بذلك نعيد الحياة لشعلة الخير التي نخشى أن تكون قد إنطفأت في نفوسنا، ولا نريد لها أن تنطفئ، ونتعاهد هنا في حضرة المعلم أنه مهما باعدتنا الأزمات ونالت منا العصبيات، سنحفظ هذه الشعلة حية في نفوسنا، ونتساند بالمحبة والتفاهم والتسامح، حتى يبقى لنا وطن، ويبقى فينا إيمان، ويحيا فينا الوطن والإيمان بالحب، لأنّ الحب والوطن والإيمان ثلاثية البقاء على قيد الحياة».
وأقول لكل الذين شاركونا بالحضور أو بالمتابعة عبر وسائل الإعلام، التي تستحق لاهتمامها كل الشكر والتقدير، أنّ الأفكار التي قُدّمت تشكل التعبير عما يجب أن يكون، لرفع شأن وطننا بإحياء مشاريع تأخذه في طريق الحضارة والتقدم، كاستكمال دائرة المعارف التي بدأها المعلم بطرس البستاني، وتوفير الوصول إليها ككنز معرفي ثمين عبر الوسائل التقنية الحديثة، وتوثيق ميراث المعلم بطرس البستاني وتدريسه، وتشجيع البحوث العلمية في مراتب الماجستير والدكتوراه عن منجزاته وفكره، وإحياء المدرسة الوطنية التي أسسها، وتخصيص حصص مدرسية عن سيرته ومؤلفاته وافكاره وإنجازاته، ومسابقات وجوائز تشجيعية خلال المئوية الثانية تحت هذه العناوين، وهذه مهام ستتابعها الهيئة كمهام وطنية تتشارك فيها مع المؤسسات العامة والخاصة والشخصيات القادرة على المساهمة في إنجازها، والمسيرة لعام كامل لن تتوقف بعده، ولن تكون احتفالية الثاني من أيار فيها إلّا الإنطلاقة الرسمية.
القضية ليست مجرد وفاء لعظيم من بلادنا، ولا مجرد تكريم لرمز من رموز الفكر والثقافة، ولا إحياء لمئوية ثانية لميلاد عبقرية يترفّع بها شأن وطننا، بل هي فوق كل ذلك إحساس بأننا قد وجدنا جميعنا في هذه المناسبة ورمزها، ما يجمع بيننا، ويوطد دعائم وحدتنا، ويضيء الطريق الذي يجمعنا للسير نحو المزيد من الرفعة والتقدم، ولذلك ستكون قضية ومبادئ المعلم بطرس البستاني قضيتنا ومبادئنا في مقاربة الشأن العام ومعالجة أزمات الوطن، وفي فهم فكرة الدولة، والنظرة لقضايا المرأة والتعليم والإعلام.