إستنفرت كل القوى السياسية لمحاربة الفساد، وهبّت دفعة واحدة تتبارى في الإعلان عن رغبتها محاسبة المفسدين. أمام هذا الخطاب السياسي، يستغرب المواطن تجهيل هوية الذين أفسدوا في الدولة اللبنانية منذ بدأت الديون تتراكم على اللبنانيين. كيف اصبحت ثروات سياسيين ومديرين عامين ومسؤولين ونافذين طائلة في مصارف لبنانية وأجنبية؟ هل هي مداخيل مشروعة راكمت ملايين الدولارات؟
أوساط سياسية ردّدت في مجالسها كلاماً عن أن تطبيق شعار محاربة الفساد يستلزم توازناً طائفياً في فتح الملفات، على قاعدة ٦ و ٦ مكرّر. لأن فاسدين قد يختبئون خلف طوائفهم ومذاهبهم، ويحاولون إقناع الرأي العام اللبناني أن المحاسبة عن إرتكابات سابقة هي مجرد تصفية حسابات سياسية. وهذا ما سيفرض أخذ المعادلة اللبنانية الطائفية بعين الإعتبار في سلوك طريق المحاسبة. يُعزز هذا السيناريو وجود فاسدين في كل ميادين الدولة، وفي كل القطاعات يطرحون عند الإشارة إليهم سؤالاً جوهرياً: لماذا توقيف فاسد دون غيره؟
وإذا كان خطاب "حزب الله" أثار إمتعاضاً في صفوف تيار "المستقبل" الى حد رسم الخطوط الحمر حول الرئيس الاسبق للحكومة فؤاد السنيورة، الذي إعتُبر أنه مستهدف سياسياً بعد المطالبة بكشف مصير ١١ مليار دولار إختفت عن سجل الحسابات يوم كان في مسؤولياته الحكومية، فإن تلك الواقعة اكدّت أن المحاسبة أو المكاشفة بأقل تقدير لا يُمكن أن تكون بالمفرق، ولا عالقطعة، بل بالجملة. ولذلك، رجّحت مصادر معنية بالملف في جلساتها أن يتم الإتفاق على المحاسبة بدءاً من الآن، بتوقيف اي متهم بالفساد يثبت تورّطه بالسرقة أو بهدر المال العام، أو قيامه بالرشوة مهما كان نوعها وحجمها.
هذا يؤكد أن الفاسدين هم المرتكبون فقط الآن ولاحقاً، وكأن غضّ النظر سيحلّ حول المتّهمين السابقين، وفق معادلة: عفا الله عمّا مضى.
وإستندت المصادر إلى عدم قدرة اي فريق على فتح ملفات قديمة، ستُطوى عملياً إلى غير رجعة، لكنها رأت في وقف الفساد إنجازاً للبلد، يسمح بعدم إبقاء المزاريب مفتوحة في كل الإتجاهات.
هذا لا يعني أن هناك متورطين معروفين، كشفت التحقيقات عن خبايا فسادهم، كما الحال في ملف تزوير الشهادات الجامعية، أو رشاوى المساعدين القضائيين، لأن ملفاتهم جاهزة، وفسادهم متشعّب طال اكثر من قطاع جرّاء إرتكاباتهم الجرمية الواضحة.
واوضحت مصادر مطّلعة أن الأجهزة الأمنية تلعب ادوار مفصلية في الكشف عن ملفات موجودة على طاولة شعبة المعلومات ومديرية المخابرات في الجيش.
كل ذلك، أوجد أمالاً شعبية بأن وقف الفساد سيتمّ، بالتزامن مع توجه نيابي لإقرار تشكيل هيئة خاصة لمحاربة الفساد، تضم اخصائيين وقضاة، تُعطى صلاحيات واسعة بالتكامل كع الجسم القضائي. لن يستطيع بعد اليوم ان يغطي او يتوسط سياسي لفاسد، لكن على اللبنانيين أن يعملوا لنزع الطائفية عن حساباتهم في محاسبة الفاسدين، لأن البلد لم يعد يحتمل مزيدا من التدهور الإقتصادي والمالي والاخلاقي.