صحيح أن الاعلامي أو الصحافي يملك هامشاً من الحريّة للتحدّث وكشف الملفّات التي قد يكون بعضها خطيراً أو يمسّ بأحد الاشخاص النافذين، وفي أغلب الأحيان يكون مرفقاً بمستندات ووثائق خاصة بحيث يؤدّي واجبه على أكمل وجه، إنما في لبنان اليوم، فإن تأدية هذا الواجب في بعض الأحيان يجرّ الصحافي ليقف أمام قوس المحكمة مُتَّهَماً بأداء هذا الواجب المقدّس...
وفي الرحلة الى المحكمة يصل الاعلامي ويقف كمُتّهم ليُحكم في النهاية هو أو المؤسسة الاعلاميّة التي ينتمي اليها بغرامات مرتفعة "تؤدّبه" وتضع حداً لحسّه البحثي الراغب في كشف الحقيقة، وتجعله يراجع حساباته ألف مرّة قبل أن يتطرق الى موضوع ما، على مبدأ أن الارهاب الفكري يفعل فعله في الجسم الاعلامي عبر التقدّم بشكاوى الى القضاء من دون وجه حقّ. وبمعزل عن هذا كلّه يبقى الاهمّ أن جزءًا من الغرامات بحسب القانون يذهب حكماً الى صندوق القضاة، ما يعني أن القاضي هو الحَكَم والمستفيد في آن!.
"لسنا ضدّ القانون ولن نكون يوماً كذلك". هكذا يبدأ نقيب المحررين جوزيف قصيفي حديثه عبر "النشرة"، مشيراً الى أن "محكمة المطبوعات تصدر أحياناً أحكاماً قاسية تتضمّن غرامات مرتفعة وهنا يدفع الثمن، إما المدير المسؤول أو الصحافي المعني لأنّ بعض مالكي الصحف ووسائل الاعلام يتنصّلون من الأمر ويتخلّون عن تعهداتهم بدفع أيّ غرامة، وهذا ما حصل فعلاً في السابق مع العديد من الصحافيين". بدوره المحامي ميشال سعد يلفت عبر "النشرة" الى أن "كلّ حكم يصدر على صحافي، فإنّ الغرامة التي تحكم بها المحكمة يذهب قسما منها ما يفوق النصف الى صندوق تعاضد القضاة، وهذه المسألة ليست فقط للأحكام التي تتعلّق بالصحافيين بل في مجمل الأحكام"، مشيراً الى أن "هذه المسألة تطبّق إستناداً الى قانون الرسوم القضائيّة"، ومضيفاً: "حوالي 45% من قيمة الغرامة يذهب أيضاً الى ماليّة الدولة".
يلفت المحامي ميشال سعد الى أن "عودة قسم من الغرامات الى صندوق تعاضد القضاة يشجّعهم على الحكم بغرامات مرتفعة ويجعلهم يلجأون الى ردّ الدعوى في أوقات قليلة جداً سواء عن قصد أو عن غير قصد". بدوره يشير النقيب قصيفي الى أنه "وبحسب ما توارد الينا من معلومات أيضاً فإنّ نسبة من الغرامات تذهب الى صندوق نقابة الصحافة"، مؤكداً أننا "سوف نطالب وسنسعى لأن تذهب كامل مبالغ الغرامات الى صندوق نقابة المحررين"، مضيفاً: "نحن في صدد استشارة محامينا لبحث هذا الموضوع وكيفيّة حثّ المعنيين على إعتماده وتحديد الآليّة القانونيّة التي تسمح لنا بإعتماد هذه المسألة".
في المحصّلة يعدّ القضاء أعلى مرجع في الدولة يحكم في المواد الخلافيّة أو الجرم... إلا أن القاضي الذي يحكم في قضيّة، من الطبيعي ألاّ يكون مستفيدا منها، وهنا يبقى السؤال الأهمّ: "ألا يجب أن تكون العلاقة بين القضاء والاعلام علاقة تكامل في مختلف المواضيع؟! وهل يجوز تحوّل القضاء في بعض المرّات الى سيف على رقبة حريّة الصحافة التي تتناول في أغلب الأوقات مسائل "محقّة"؟!.