نجحت الإتصالات والمشاورات في التوصل إلى "هدنة" تحمي حكومة سعد الحريري الثالثة من "السقوط"، لا سيما بعد تفجر السجال بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل"، إلا أن السؤال عن إمكانيّة صمود هذه الهدنة يبدو منطقياً، طالما أنّ الملفّات التي أدّت إلى توتير الأجواء بين الفريقين الأساسيين لا تزال دون معالجة.
في خطابه خلال ذكرى الرابع عشر من آذار، حدّد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل هذه الملفات، بعودة النازحين ومكافحة الفساد وتصفير عجز الكهرباء، بينما ردّ تيار "المستقبل" كان بأن الخلاف هو على ملفّ التعيينات، حيث يسعى "التيار الوطني الحر" إلى الحصول على كافّة الحصة المسيحيّة.
في هذا السياق، تشدّد مصادر وزاريّة مطّلعة، عبر "النشرة"، على وصف ما حصل بـ"الهدنة"، التي كان من الضروري التوصل لها لتفادي الصدام على طاولة مجلس الوزراء، نظراً إلى أنّ الحكومة، التي يراهن الجميع على أن تكون منتجة في ظل الظروف الصعبة على مختلف المجالات، لا يمكن أن تستمر في حال إستمرار الخلاف بين "المستقبل" و"الوطني الحر".
وتشير هذه المصادر إلى أن التيارين يملكان القدرة على إسقاط الحكومة في أي وقت، نظراً إلى أن إستقالة رئيسها كافية في هذا المجال، والأمر نفسه ينطبق على "التيار الوطني الحر" الذي له 11 وزيراً، لكنها تؤكد أن لا مصلحة لهما بذلك، بسبب رهانهما على نجاحها في تحقيق "إنجازات"، خصوصاً أن الخطوة الثانية غير مضمونة النتائج، لا بل من الممكن أن تقود إلى المعادلة نفسها، أيّ إعادة تكليف الحريري.
وفي حين تلفت المصادر نفسها إلى أنّ أغلب القوى كانت تتحدث، عند تشكيل الحكومة، عن أن عمرها من المفترض أن يتمدّ حتى موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، ترى أن الملفات التي تواجهها لن تكون سهلة على الإطلاق، لا سيما أنها تأتي في ظل ظروف معقدة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
بالتزامن لا تبدو القوى الأساسيّة الأخرى في الحكومة، خصوصاً "حزب الله"، راغبة في إستمرار التوتّر القائم، على عكس الإتهامات التي توجّه إلى الحزب بأنه راغب في إسقاطها، بسبب الضغوط التي يتعرّض لها على أكثر من صعيد.
من وجهة نظر المصادر الوزاريّة المطلعة، المعادلة التي تطرح نفسها تتمثل بالقدرة على معالجة الملفات العالقة، التي ترى أنها سوف تبقى تهدد حكومة "إلى العمل" في المرحلة المقبلة، لا سيما ملفّ النازحين السوريين الذي يتّصل بالعلاقة مع سوريا، وتوضح أنّ هذا الملف يعتبر التحدّي الرئيسي أمامها، نظراً إلى أن الخلاف حوله عميق، بين وجهة النظر التي ترى ضرورة التنسيق مع دمشق، وتلك التي تعتبر أن لبنان لا يستطيع الخروج عن الإجماع العربي على هذا الصعيد.
بالتزامن، ترى المصادر نفسها أنّ الأمر نفسه ينطبق على ملفّ مكافحة الفساد، خصوصاً أنّ تيّار "المستقبل" يعتبر أنّ فتح هذا الملف موجّهاً ضده، خصوصاً بالنسبة إلى ملفّ الحسابات الماليّة، وبالتالي هو لا يمكن أن يقبل بهذا الواقع بأيّ شكل من الأشكال، والدليل تشدّده على هذا الصعيد منذ اليوم الأول، ثم الإنتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم.
إنطلاقاً من هذا الواقع، تعتبر هذه المصادر أن الحكومة ستبقى مهدّدة بالسقوط في أيّ لحظة، بسبب الملفّات نفسها، إلا أنّ أخذ القرار بهذا الأمر، من قبل أيّ فريق، يرتبط بالظرف السيّاسي، وتؤكد بأنه غير مناسب في الوقت الراهن، حيث لا مصلحة لأيّ جهة بالعودة إلى المرحلة السابقة، نظراً إلى أن حكومة الحريري الثالثة تمثّل التسوية الرئاسية، وبالتالي سقوطها يعني سقوط تلك التسوية التي يتمسك بها الأفرقاء المعنيون بها.
في المحصلة، تواجه الحكومة الكثير من التحديات التي قد تؤدي إلى سقوطها في أيّ لحظة، إلا أن الملفات العالقة تمثل اليوم بطاقات صفراء لم تصل إلى اللون الأحمر، بسبب التداعيات التي ستترتب على ذلك، لكن هل ستنجح "المسكنات" في إبقائها على قيد الحياة لفترة طويلة؟!.