في إنتظار جلسة مجلس الوزراء قبل ظهر الخميس، وفي الوقت الذي تسبّب أكثر من ملفّ داخلي، وخُصوصًا ملفّات التعيينات والكهرباء والفساد، برفع منسوب التوتّر السياسي على أكثر من خط وبين أكثر من طرف، زادتالضُغوط الدَوليّة القديمة-الجديدة على لُبنان من حال عدم الإستقرار. فما هي أبرز هذه الضُغوط، وما هي إرتداداتها على الساحة الداخليّة وعلى الوضعين الإقتصادي والمالي؟.
من بين الضُغوط السياسيّة على لبنان، مُطالبة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في أحدث تقرير خاص بتطبيق القرار 1701، الحكومة اللبنانيّة، باتخاذ كل الإجراءات الضروريّة لتسهيل تحرّك القوّات الدوليّة في الجنوب، ولنزع أسلحة الميليشيات، وذلك تطبيقًا لإتفاق الطائف وللقرارات الدَوليّة. وطالب غوتيريس أيضًا يضًاتأالجيش اللبناني بإجراء التحقيقات المناسبة بشأن الأنفاق الحُدودية، وذلك على خلفيّة أنشطة "حزب الله" العسكريّة التي رأى أنّها تُهدّد إستقرار لبنان والمنطقة. وتأتي هذه المواقف عشيّة وُصول وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو إلى المنطقة، في جولة تشمل لبنان في إحدى محطاتها، مُخصّصة لتعزيز الحصار السياسي والإقتصادي الذي تُحاول الولايات المتحدة الأميركيّة تشديده من جديد على إيران.
ومن المُنتظر أن يُمارس بومبيو خلال مُحادثاته المُرتقبة مع عدد من كبار المسؤولين الرسميّين في لبنان، ضُغوطًا غير مُباشرة، إنطلاقا من المواقف الأميركيّة المعروفة المُناهضة لكل من إيران و"حزب الله". وبحسب المعلومات المتوفّرة، إنّ بومبيو سيُكون مُتشدّدًا في مُطالبته لبنان تثبيت الإستقرار على الحدود الجنوبيّة ومنع الأنشطة العسكريّة لمُقاتلي "حزب الله" في المنطقة، وعدم القيام بأي خُطوات غير مدروسة النتائج على صعيد مشاريع إستخراج النفط والغاز من المياه الإقليميّة اللبنانيّة، وعدم المُبادرة إلى إتخاذ إجراءات ضُدّ النازحين السُوريّين خارج الغطاء الدَولي، مع الإشارة إلى أنّ ملفّ هؤلاء سيكون موضوع بحث مُستفيض مع كبار المسؤولين الروس في الأيّام المُقبلة، وذلك خلال زيارة رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون موسكو على رأس وفد رسمي.
والمُفارقة اللافتة أيضًا، أنّ جولة وزير الخارجية الأميركي الجديدة في المنطقة تأتي عشيّة تحريك مُرتقب لما يُسمّى "صفقة القرن"، حيث تُحضّر الدبلوماسيّة الأميركيّة الأجواء في المنطقة لتلقّف تسوية غير مُنصفة ولا مُتوازنة للقضيّة الفلسطينيّة، عبر إعتماد سياسة "العصا والجزرة"-إذا جاز التعبير، أي من خلال منح بعض الدُول والجهات مُساعدات مالية كبيرة لنيل مُوافقتها، ومن خلال مُمارسة الضغُوط السياسيّة والإقتصاديّة القاسية على دول وجهات أخرى ترفض المُوافقة على التسوية الأميركيّة التي تصبّ في صالح إسرائيل. وبما يعني لبنان من "صفقة القرن" التي لا تنصّ في أيّ من بُنودها-التي لم يتمّ تعميمها إعلاميًا بشكل واسع بعد تجنّبًا لإسقاطها سلفًا، فإنّ الحديث من تحت الطاولة هو عن إعفاء الدولة اللبنانية من جزء من ديونها الماليّة المُرهقة، في مُقابل المُوافقة على منح الفلسطينيّين المُقيمين في لبنان حُقوقًا يفتقدونها حاليًا، بما يُشبه التوطين المُقنّع لهؤلاء!.
وعلى خط مُواز، تسرّب من كواليس المُؤتمر الدَولي الذي عُقد في "بروكسيل" أخيرًا بشأن "دعم مُستقبل سوريا"، والذي كان شارك فيه لبنان مُمثّلاً برئيس حكومته سعد الحريري وبعدد من الوزراء، لكن بغياب وزير الخارجية جبران باسيل ووزير شؤون النازحين صالح الغريب، أنّ عددًا من المسؤولين الدَوليّين طالب السُلطات اللبنانيّة الرسميّة بالتعامل بأسلوب مُختلف مع النازحين السُوريّين، عبر تطبيق مجموعة من الحُقوق المُعترف بها دوليًا، لجهة منحهم إقامات مُوقّتة وإجازات عمل، في مُقابل الحُصول على المُساعدات الماليّة التي خصّصتها الدُول المانحة للدول التي تستقبل العدد الأكبر منهم، من دون أن يتمّ تبنّي هذا الرأي الذي يدخل في إطار الضُغوط المُتصاعدة على لبنان. حتى أنّ أموال مؤتمر "سيدر" الذي كان عُقد في نيسان الماضي وخُصّص لدعم لبنان ماليًا، مشروطة بما يتجاوز تطبيق لبنان لسلسلة من الإصلاحات وعمله على إجتثاث الفساد من إداراته، حيث يُحكى عن ضُغوط مُرتبطة بملفّ النازحين أيضًا، لجهة تخصيص جزء من الأموال التي يُفترض تحويلها إلى لبنان لصالح تحسين الظروف المعيشيّة والحياتيّة لهم، عبر سلسلة من الإجراءات، من بينها تطوير البنُى التحتيّة حيث يقيمون.
في الخُلاصة، لا شكّ أنّ لبنان يتعرّض حاليًا لأكثر من ضغط سياسي ومالي دَولي، بخلفيّات مُرتبطة بملفّي كل من اللاجئين الفلسطينيّين والنازحين السُوريّين، وكذلك بملفّي إستخراج النفط والغاز من البحر الأبيض المتوسّط، وأنشطة "حزب الله" العسكريّة على الحُدود الجنوبيّة وخارج حُدود لبنان أيضًا. وإذا كان لبنان الرسمي نجح حتى الساعة بالسير في حقل الألغام المُصطنع، فإنّ المخاطر قائمة من إنفجار أي لُغم من هذه الألغام في أي وقت في المُستقبل!