يوم 26 أيلول الماضي، عُطِّل مطار بيروت الدولي لساعات بسبب خلاف بين ضابطين. انسحب عناصر قوى الأمن الداخلي من نقاط تفتيش المسافرين، و«أطفأوا» أجهزة التفتيش، فتولى عناصر استقصاء جهاز أمن المطار العمل مكانهم، ما أدى إلى عرقلة حركة المسافرين لنحو خمس ساعات. تحرّك القضاء والساسة لحلّ المسألة. فُتِح تحقيقٌ مشترك بين الجيش وقوى الأمن الداخلي لتحديد المسؤوليات، لكنّ النتائج بقيت طيّ الكتمان، بعدما «حفظ» مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الملف في أدراجه حتى اليوم. «الأخبار» تنشر خلاصات التحقيق
لم تُعلَن نتائج التحقيق المشترك الذي أجراه الجيش وقوى الأمن في حادثة تعطيل مطار بيروت الدولي لساعات واحتجاز المسافرين نتيجة خلاف وقع بين قائد جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط وقائد سرية درك المطار العقيد بلال الحجّار. الفضيحة التي وقعت يوم 26 أيلول 2018، كانت كفيلة بإطاحة رؤوس كثيرة لو أنها حصلت في أي بلد «يحترم نفسه». غير أنّ للبنان شذوذه الدائم. في السياسة، كلُّ شيءٍ يُحلّ بعيداً عن المصلحة العامة. فبالتزامن مع التحقيق الجاري، بدأت مفاوضات سياسية لنقل ضومط والحجار، كل من موقعه، ولا سيما أنّ هذا الخلاف لم يكن يتيماً، إذ سبقته إشكالات عدة. طُرح يومها أن يُصار إلى نقل الحجار من المطار أولاً، على أن يُنقل ضومط لاحقاً، على اعتبار «قاعدة» الحساسية (البلهاء) التي تحول دون إطاحة الرئيس والمرؤوس معاً. يومها، اعترض وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق. اشترط نقل الضابطين معاً لكونهما يتحمّلان المسؤولية معاً. وبقي المشنوق مصمِّماً على رأيه حتى مغادرته الوزارة. منذ أكثر من شهر، صدرت برقية بتعيين العقيد علي طه مساعداً لقائد سرية مطار بيروت. ومنذ نحو أسبوعين، صدرت برقية ثانية تُعيّن طه قائداً للسرية، على أن يُنقل العقيد الحجّار إلى رئاسة قسم المباحث الجنائية الخاصة. جاءت هذه البرقية التي تسببت بنقل الحجّار بعد أيام قليلة على «لقاء المصالحة» الذي جمع وزير الخارجية جبران باسيل والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. نُقل الحجّار، فيما بقي ضومط، ولم يُعرف إذا ما كان سيُنقل من مركزه لاحقاً. غير أنّ الثابت الوحيد أنّ قرار نقل الحجّار ليس قراراً إدارياً، ولو غُلِّف بإطار أمني، بل قرارٌ سياسي. وكان تعيين العقيد طه مساعداً للحجّار لمدة ثلاثة أسابيع بهدف التعرّف إلى تفاصيل وطبيعة الخدمة في المطار لكون الحجّار خدم لفترة طويلة فيه (نحو 14 عاماً).
أُشيع أنّ الحجّار نُقِل بناءً على التحقيق المشترك الذي رتّب المسؤولية عليه فقط، إلا أنّ أحداً لم يعلم ماذا تضمّن هذا التحقيق. وقد اطلعت «الأخبار» على مضمون التحقيقات التي أُجريت، والتي تزيد على مئة صفحة، بحيث تبيّن أنّ نتائج التحقيقات حمّلت المسؤولية لكل من رئيس جهاز أمن المطار وقائد السرية معاً.
وحتى تاريخه، لا يزال هذا التحقيق في درج القاضي بيتر جرمانوس الذي أشرف عليه ولم يتّخذ أي إجراء بنتيجته، رغم أنّ مديرية قوى الأمن تحفّظت عليه وطلبت فصل الضابطين (ضومط والحجار) لكونهما لا يتمتعان بالمسؤولية لإدارة مرفق عام، بعدما تسببا بتعطيل المطار مدة خمس ساعات.
انطلق التحقيق من اعتبار أنّ الخلافات المتراكمة سببها عدم وجود تفسير موحّد للمراسيم والأنظمة والقوانين المتعلّقة بكيفية إدارة العمل في جهاز أمن المطار بين رئيس الجهاز وقائد سرية الدرك في المطار. وتحدث التحقيق عن «عدم وجود انسجام شخصي وفقدان الثقة بين الضابطين ضومط والحجار»، مشيرين إلى أنّ المذكورَين نظّما عدة تقارير، كل منهما بحق الآخر، من دون أن تتم معالجة الأمر من قبل قيادتهما. ولفت التحقيق إلى أنّ «عدم وجود نظام عمل داخلي لجهاز أمن المطار يؤدي إلى حدوث إرباكات في تنظيم طريقة العمل»، مشيراً إلى احتمال تكرار مثل هذه الحوادث بأشكال مختلفة. وخلُصت التحقيقات إلى أنّ عناصر مفرزة الاستقصاء في جهاز الأمن لم يُنفِّذوا مهمّتهم، يوم 26 أيلول، بالشكل المطلوب، بسبب التهاء الجميع بالخلاف بين الاستقصاء والدرك، وابتعادهم عن تنفيذ المهمة الأساسية القاضية بتوقيف أحد الإرهابيين، بعد ورود معلومات إليهم باحتمال تسلله إلى المطار، علماً بأن مديرية قوى الأمن اعترضت هنا على عدم تحميل ضومط مسؤولية مخالفته المادة المتعلقة بوجوب إبلاغ الأجهزة والقيادات التابعة لجهاز أمن المطار عن الحوادث المحتملة على الصعيد الأمني. فكيف يُعقل أنّ هناك معلومة عن قدوم إرهابي، ولكن لا يوجد شيء يُفيد عن هويته أو هيئته أو أي معلومة قد تساعد على توقيفه؟ ولماذا لم تُعمم هذه المعلومة على باقي الأجهزة؟
اعترض المشنوق على تسوية مقترحة، مشترطاً نقل الضابطين معاً، لكونهما يتحمّلان المسؤولية
لقد أشار التحقيق إلى أنّه كان بالإمكان نشر عناصر مفرزة الاستقصاء خارج نقطة الحراسات وتنفيذ المهمّة على أتمّ وجه من دون فضحها. كما كان بالإمكان لعناصر الحراسات والتفتيشات متابعة عملهم من دون التوقّف كالمعتاد وبشكل طبيعي وترك الأمر للرؤساء المعنيين. وقد ورد أنّ قائد سرية الدرك (الحجار) طلب من الضابط المسؤول إطفاء جهاز التفتيش والانسحاب فوراً، بعد اتصال أجراه بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. ألم يكن بالإمكان الاستمرار بالعمل وإبلاغ الرؤساء للتدخّل لطلب سحب عناصر الاستقصاء خياراً أفضل من التعطيل؟
أما في مسألة توزيع المسؤوليات، فقد خلُص التحقيق إلى أنّ ضومط ارتكب خطأً عندما أعطى أمراً لعناصر من مفرزة الاستقصاء التابعة لقيادة الجهاز بتسلّم مهمة عناصر نقطة الحراسات في قوى الأمن الداخلي لجهة التدقيق بجوازات سفر المغادرين خلافاً للتعليمات. إلا أن مصادر عسكرية ردّت على هذه النقطة لتقول إنّ «تصرّف قائد جهاز أمن المطار جاء استناداً إلى الصلاحية المطلقة الممنوحة له لفعل ما يُريد لتسيير شؤون المطار، بعد القرارات الكيدية للحجار؛ ومنها إصداره برقية بتوقيف أي عنصر يُضبط أثناء تصوير أحد عناصره». ولفتت المصادر إلى أنّه «بمجرّد انتشار عناصر الاستقصاء، انسحب عناصر قوى الأمن وأوقفوا العمل... لماذا؟ علماً بأن عناصر الاستقصاء يبعدون عنهم أمتاراً، بحسب ما يظهر في كاميرات المراقبة»، مشيرة إلى أنّ «عناصر الاستقصاء تدخّلوا لتسيير العمل بعدما ارتفعت صرخة الناس». وتساءلت المصادر: «هل يُعقل أن تقرر قوى الأمن وقف الماكينات وتُعطّل العمل ويتدخّل وزير الداخلية، طالباً سحب العناصر لاستئناف العمل؟!».
وبالعودة إلى التحقيق، فقد اعتبر المحققون أنّ العقيد الحجّار أخطأ عندما وجّه كتاباً لرئيسه يتضمّن عبارات مخالفة لأصول قواعد التخاطب العسكري في المراسلات. كما أخطأ عندما أعطى أمراً بتوقيف عناصر نقطة الحراسات الثابتة لقوى الأمن الداخلي عن العمل خلافاً للتعليمات. وقد اقترح منظّما التقرير العميد محمود العبدالله والعقيد دوري نكد تأليف لجنة من كل القطعات التابعة لجهاز أمن المطار (أمن عام، جمارك، أمن داخلي، جيش) تنحصر مهمتها بإزالة الغموض من المراسيم والأنظمة والتعليمات ووضع نظام عمل داخلي للجهاز. ودعا إلى العمل على إنشاء غرفة عمليات مشتركة تابعة لقيادة الجهاز، على أن يُعيّن العناصر من ضباط ورتباء تابعين لكل قطعات الجهاز وتجهّز بكل المستلزمات الضرورية لتأمين حُسن سير العمل.