تترافق زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى لبنان المرتقبة يوم الجمعة مع زيارة يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينغ الى أوروبا .لماذا هذا التوقيت بالذات لبومبيو في بيروت؟.
بالعودة الى آذار من العام المنصرم، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة له على تويتر تنحية ريكس تيليرسون الذي كان على رأس الخارجية الاميركية لأسباب لم يُعلَن عنها.
بعد سنة من تولي الوزير الأميركي بومبيو منصبه، والذي رأس سابقا وكالة الاستخبارات المركزيّة، يبدو أن آذار السنة الحالية حاسما بالنسبة له. هو صرح بالامس القريب انه باق في وزارته الى ان يكتب الرئيس الأميركي التنحية على تويتر. أتى الى الخارجيّة حاملا ملفّ التصعيد بوجه ايران، وعمل منذ بدء فترة ولايته على تعزيز العلاقة مع حلفاء أميركا في المنطقة لا سيما مع الدول العربية، فزار مصر والسعودية وقطر والبحرين والإمارات وعمان والكويت والعراق وإقليم كردستان، وتحدث عن استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة. ان مواجهة دول البريكس سياسيا واقتصاديا هدفه في هذه الاستراتيجية. ولكن، لماذا لبنان؟.
أًولا: دور حزب الله وكيفية الحدّ من قوته التي تترجم نفوذ "ايران" في المنطقة، خطاب يرضي حلفاء أميركا ويكمل مسيرة بومبيو السياسية في مواجهة ايران، هو الذي عُرف بأنه أشد المعارضين للاتفاق النووي الايراني .التلويح بالعقوبات وضرورة التزام الحكومة اللبنانية بها أمر معتاد. وايضاً، فالرجل بذلك يكمِّل أجندته ضد ايران التي اوصلته للخارجية. أقلّه تجاه رئيسه ترامب.
ثانياً: البلوك النفطي اللبناني رقم تسعة، والصراع مع اسرائيل حوله، قضيّة سيسعى لا شكّ لطرح حلّ لها. الرجل يملك شركة ضخمة للإمدادات النفطية. هو خبير نفطي. هل لديه مصلحة خاصة؟ انه شأن آخر. أم أن للإدارة الاميركية مصلحة اقتصاديّة بمزيد من عرقلة التنقيب في هذا البلوك لا سيما أن شركة روسيّة رست عليها مهمة التنقيب في لبنان؟. بومبيو حذّر مرارا من تنامي قدرة روسيا في المنطقة وقال عن الرئيس فلاديمير بوتين بأنه رجل شديد الخطورة.
نذكّر أنّ الدور الروسي في الانتخابات الرئاسيّة الاميركية ملف عمل عليه بومبيو للتخفيف من وطأته. وهو يستمرّ بالعمل في عكس الاتجاه الروسي بالمنطقة، أقلّه بالشق الاقتصادي، وأيضاً، بما يرضي رئيسه. ولكن بالمقلب الاخر، لا نزاع نفطي روسي-اميركي على مستوى البلدين بما يتعلق بالنفط اللبناني والاسرائيلي.
ماذا عن التنافس التجاري بين الشركات النفطيّة الخاصّة وتأثيراتها الماليّة على كل من روسيا واميركا؟، ملف جدير بالبحث.
في السياسة، يبدو ان بومبيو يريد إقناع لبنان بالالتزام بخط "هوف" لترسيم الحدود. اسرائيل بدأت تنفيذ مشروع إمداد الغاز الى قبرص ومنها الى أوروبا. الاعتداء على البلوك التاسع من قبل اسرائيل حتمي وواضح لكنها تتسلّح بالاتفاقية الإسرائيلية-القبرصيّة. مَن كبّد لبنان هذه الخسارة ؟ ومن أخطأ في المباحثات اللبنانية-القبرصية؟ إنه ملف آخر أيضا. شراء الشركة الروسية مسبقا النفط المستقبلي المتوقع من البلوك التاسع عبر عقود من نوع Selling of future Earnings طرح قد يكون جديا. هل سيتوسط لذلك بومبيو لا سيما ان النتيجة اكثر من مزدوجة :
-اسرائيل ستستفيد من التخزين في حقول "كاريش" بعد انتقال ملكيّة النفط للشركة الروسية.
-ايران قد تتضرر بفعل هذه الخطوة الاستباقيّة النفطيّة ضدّ أيّ مشروع إيراني لخطوط الامداد البرّي التي قد تمر في لبنان .
-صيغة عقديّة نفطيّة للتمويل عبر مؤسسات دوليّة، قد تكون غير منتهية المدّة على عكس العقود الآجلة. تحت مظلة المساعدات وبشروط سياسية.
في جعبة بومبيو للبنان أبعد من محاولة ضم لبنان لتشكيل حلف استراتيجي في الشرق الاوسط لمواجهة ايران، وهو العالم والمقرّ بصعوبته لا سيما بعد فشل مؤتمر وارسو. بومبيو ينتقل الى المواجهة الأخرى بالتطويق الاقتصادي النفطي. هل سيفتح أيضاً مسألة استعداد ايران تسليح الجيش اللبناني ويحذّر منها؟.
في هذه الحقبة العالميّة المليئة بالغليان العسكري والمالي والفكري، عقول مدبّرة دولية تترقب بأي مستوى سياسي واقتصادي وذهني وأخلاقي ستكون المباحثات اللبنانية-الأميركية. هل يترقّب بومبيو تنحيته أو ترقيته؟!.