أوضح رئيس الجمهورية ميشال عون، أن "مواضيع البحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متعددة وان برنامج المحادثات الذي يتم تحضيره بناء على رغبة الجانبين لا يزال قيد الانجاز"، لافتا الى أن "بين المواضيع ما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط والحروب التي اندلعت في عدد من دولها ونتائجها التي لا يزال لبنان يتحملها، بالاضافة الى انعكاسها على وضع المسيحيين في المشرق وملف النازحين في ضوء المبادرة الروسية التي تنص على تشجيع عودتهم والموقف اللبناني من هذه القضية الذي تؤيده روسيا".
وبين الرئيس عون في حديث مع وسائل إعلامية روسية، "أننا قد نتطرق الى قضية القدس واسرائيل، بالاضافة الى تقوية العلاقات اللبنانية -الروسية الثقافية والحضارية وتلك القائمة بين الشعبين التي نرغب بتطويرها في مختلف المجالات في ظل وجود مراكز ثقافية وتعليم اللغات فضلا عن السياحة بين البلدين. كما يهمنا بحث العلاقات الاقتصادية التي نرغب ايضا بتوسيعها".
وعما اذا كان لبنان قادرا على تنفيذ المبادرة الروسية من دون ان يأخذ في عين الاعتبار الشروط التي يضعها المجتمع الدولي قبل عودة النازحين الى وطنهم، قال الرئيس عون: "ان لبنان يأخذ علما بالشروط الدولية ولكنه سيتصرف وفق ما تمليه عليه مصلحته العليا، فالمجتمع الدولي لا يساعده فيما هو يساعد السوريين على العودة بحيث بلغ عدد العائدين من لبنان 172 الف نازح لغاية اليوم"، لافتا الى ان المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي جال اخيرا في سوريا واتصل شخصيا وبكل حرية ومن دون مراقبة مع العائدين، "ابلغنا ان وضع هؤلاء جيد وهم يعيشون هناك بارتياح".
وعن بروز مصطلح جديد حول التطبيع مع سوريا، ومدى استعداده للقيام بزيارة الى هناك اذا ما تطلبت المصلحة اللبنانية لعودة النازحين الامر برغم الخلافات القائمة، اوضح "اننا في لبنان مطبعون للعلاقات مع سوريا التي تتميز بوجود سفراء في كلي البلدين، وهي تاليا ليست بمقطوعة. ان لبنان بلد مجاور لسوريا ويجمعهما العديد من القضايا المشتركة التي سنبحث بالتأكيد في حلها. واذا تطلب الامر زيارة فسيتم ذلك، اما اذا لم يتطلبها، فبامكان السفراء والوزراء والمجلس الاعلى القائم بين البلدين البحث بالقضايا ذات الصلة حيث ان زيارة الرؤساء تتطلب وضعا خاصا ولا تكون بغرض السياحة".
وحول المشاركة اللبنانية في اعادة اعمار سوريا والدور الروسي في ذلك، اكد رئيس الجمهورية أنه "باستطاعة لبنان المشاركة، وفيه العديد من الشركات اللبنانية التي تتولى الاعمار. كما باستطاعته المساهمة من الناحية الجغرافية من خلال مرفأي بيروت وطرابلس. فبامكان الاخير ان يغذي منطقة حمص وحماه وغيرها، فيما باستطاعة مرفأ بيروت تغذية المنطقتين الوسطى والجنوبية. وبذلك بامكان لبنان نقل مواد البناء والاعمار الى سوريا. واننا نخطط لانشاء سكة حديد ساحلية حيث ان هناك مدخلين لسوريا احدهما في الشمال في حمص، والثاني باتجاه دمشق من البقاع. وهذه الخطة تستلزم بعض الوقت والاعمار في سوريا لن يتم على المدى القصير".
وعما اذا لمس اي نوع من الضغوط على لبنان لعدم المشاركة في اعادة اعمار سوريا، اوضح الرئيس عون ان "الضغوط تمارس على الجميع حاليا، في ظل ربط المجتمع الدولي الاعمار وعودة النازحين بالحل السياسي"، مبينا أن "الامر يتطلب ايجاد مصادر تمويل ليس من لبنان او سوريا بالتأكيد اللذين بالكاد يكفيان حاجاتهما بعد الظروف التي مرا بها، بل من كل الدول الاخرى بما فيها اوروبا واميركا ودول الخليج. واذا تمنعت هذه الدول عن ضخ الرساميل فسيتوقف الاعمار اذا ما حصل ضغط او لم يحصل".
وأعلن أن "الضغوط السياسية مباشرة، والمجتمع الدولي لايتردد بقراره وبربطه عودة النازحين باعمار سوريا والحل السايسي فيها. ان النقاش مع الموفدين الدوليين عندما يزورون لبنان يتمحور حول هذه النقطة بالتحديد. ولبنان يرفض الامر لان لا ارتباط بين رغبة النازحين بالعودة ومنعهم من قبل المجتمع الدولي الذي يسعى لاخذ النازح رهينة كي يقبض ثمنه في الحل السياسي. ان اخذ الرهائن وخاصة البشرية ممنوع وثمة مخالفات كثيرة في ذلك. ثم ان لبنان صغيرالمساحة، واصبحت الكثافة فيه 600 شخص في الكيلو متر المربع الواحد، وهذه كثافة مدنية بطبيعتها وليست كثافة وطن".
ولفت الرئيس عون الى أن "لبنان يعيش ضمن الحصار المفروض على المنطقة، لاسيما وأنه لا يستطيع العمل مع سوريا، كما ان حزب الله محاصر مالياً. فأصبحنا بذلك محاصرين عالمياً، لأن الـتأثير السلبي للحصار على حزب الله يصيب كل اللبنانيين، كما المصارف اللبنانية، فكل مصرف لبناني لديه توجّس من التعامل مع اي مودع خوفاً من أن يكون لديه علاقة مع حزب الله. فالمصرف أصبح لديه خوف من الزبائن الذين بدورهم يخافون منه. وهذا الخوف المتبادل لا يبني اقتصادا وعلاقات تجارية سليمة. وبذلك اصبح لبنان ضمن الحصار المفروض على الآخرين ولاسيما على إيران، وهو يمرّ نتيجة لذلك بأزمة كبيرة ولكن لا نتوقع المزيد من الاجراءات على المصارف".
وعما اذا سيبحث الرئيس عون في موضوع الخلاف اللبناني- الاسرائيلي حول الحدود البحرية وملفي النفط والغاز مع بوتين واذا ما يمكن لروسيا ان تقوم بدور الوسيط النزيه، قال الرئيس عون: "لا شيء يمنع من ذلك"، موضحا أن "هذا الموضوع سيتم بحثه مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو غدا خلال زيارته الى لبنان، وعلى ضوء ما يمكن ان نستنتجه نبني على الشيء مقتضاه".
واذا هناك انزعاج اميركي من التقارب اللبناني -الروسي والضغوط التي تمارس لكبحه، شدد الرئيس عون على أن "ما يجمع لبنان وروسيا اعتراف متبادل وعلاقات تاريخية تميزت حتى في ايام الاتحاد السوفياتي السابق والتوتر بينه وبين الولايات المتحدة، بالمحافظة على التمثيل الدبلوماسي رغم محدودية العلاقات آنذاك"، جازما "أننا في لبنان لا نتأثر بالخلافات بل نقيَم الامر على ضوء مصالحنا وصداقتنا مع الشعوب. "فلبنان بلد محايد وقد اقترحت جعله مركزا عالميا لحوار الثقافات والحضارات والاديان والاثنيات. وليس بامكان احد حجبنا عن اي بلد في العالم. صحيح اننا لا نتدخل بمشاكل الاخرين ولكننا نريد المحافظة على شخصيتنا".
وعن الهواجس اللبنانية من قبول الهبات العسكرية الروسية، أكد أن "الاسلحة التي بحوزة القوى العسكرية اللبنانية تختلف عن الاسلحة الروسية حاليا ولبنان يقوم باستقدام التجهيزات من الولايات المتحدة الاميركية، فيما استعمال الاسلحة الروسية يتطلب تغيير نظام الاسلحة المستخدم"، لافتا الى أن "لبنان بحاجة الى مصدر اسلحة، وفي المستقبل لا نعلم كيف يتطور الوضع".
وعما اذا كانت اتفاقية التعاون اللبناني مع شركة "روسنفط" تعد بداية لتعاون اوسع بين البلدين،أوضح الرئيس عون أن "التعاون مع روسيا بدأ قبل ذلك، فهناك كونسورسيوم ايطالي فرنسي روسي، ونوفاك من ضمنه، وقد حاز بالتزام التنقيب عن النفط وسيبدأ العمل في العام الجاري ان شاء الله، مشددا على انه ليست هناك من علاقة اقتصادية تبدأ الا وتتطور".
وفي موضوع الكهرباء والاستعانة بالخبرات الروسية، ذكر أن "النظام اللبناني حر، ويجب طرح اي التزام على المناقصات، لافتا الى ان لا شيء يمنع ان تتقدم روسيا على مناقصات فتحصل على الالتزامات اذا ما كانت عروضها افضل"، مشددا على أن "للبنان وضعا خاصا ودقيقا جدا، فهو مطوق ويقع ضمن مثلث متساوي الاضلاع بين روسيا واميركا والصين، فيما لا تزال السياسة العامة في الشرق الاوسط غير واضحة المعالم. ووضعه لا يسمح له بالاختيار فهو لن يدخل في حروب مع اي من الافرقاء بل يسعى للتفتيش عن صداقات الجميع. من هنا نحن نقول بالصداقة للجميع والخلافات لمن هم مختلفون".
واشار رئيس الجمهورية الى "أهمية دور روسيا في المساعدة على إنشاء أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار عبر المساهمة فيها"، لافتاً الى أنه "تم طرح هذا المشروع امام الامم المتحدة تحت رعاية الاونيسكو، والمطلوب اليوم من الجميع تأييده والمشاركة فيه لاسيما وأنه يعني العالم كلّه".
وكشف أنه بدأ طرح مشروع إنشاء هذه الاكاديمية لدى دول عدة، كفرنسا وألمانيا والهند والصين، لافتاً الى أن "عصبة الامم فشلت بعد الحرب العالمية الاولى بتحقيق الهدف الذي أنشئت لأجله وهو نشر السلام، فاندلعت الحروب، وهذا ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية مع الامم المتحدة"، موضحاً أن "سبب ذلك يعود الى أن معاهدات السلام وُضعت فقط على الورق، وبين حكومات لديها مصالح، من دون تحقيق مصالحات حقيقية بين الشعوب التي تختلف عن بعضها البعض في المعتقدات، ولم يتخط تفكيرها الانساني حدود دولها".
ونفى الرئيس عون رداً على سؤال وجود مخاوف من تقسيم المسيحيين في المشرق، لافتاً الى أن "المسيحيين يريدون أن يعيشوا ضمن مجتمع متعدد بعيداً عن الآحادية، التي هي ضد تفكيرنا وثقافتنا"، مشيراً الى "سقوط الآحادية الدينية كما السياسية المتمثلة بالانظمة الديكتاتورية، وكذلك الآحادية العرقية، فلا يمكن العودة اليها مجددًا او القبول بها".
وتحدث عن وجود "ما يخالف هذا المسار العالمي الحضاري، وهو اقرار اسرائيل بما يسمى بالدولة القومية اليهودية التي تحمل صفة الآحادية، وتريد أن تعيش ضمن محيط مختلط ومتنوع ما يسبب المشاكل"، مضيفا: "منطقة الشرق الاوسط دفعت حوالي 1400 سنة من حروب ومشاكل بين الاسلام والمسيحية حتى تمكّنا من الوصول الى الاستقرار الذي ننعم به. فلدى المشرقيين ثقافة مشتركة، مقتبسة من الاسلام والمسيحية، ما يجعل من لبنان بلداً فريداً من نوعه يتميز بمجتمعه المتنوع الذي يختلف أبناؤه في بعض الاحيان في ما بينهم سياسياً، ككل الدول الديموقراطية، ولكن لا يختلفون على الوطن، وهذا هو الاهم".
وعن إمكانية وجود قوة تحاول بث الخلاف بين مسيحيي المشرق كما حصل في اوكرانيا، أكد الرئيس عون عدم وجود هكذا حالة في منطقة الشرق، "ففي لبنان يوجد ارثوذكس يونانيون، وهناك ارثوذكس روس، ولا أرى اي اختلاف بين الاثنين، ولا حتى بين مختلف الكنائس المسيحية". وقال: "كل لديه الحرية باعتقاداته وتفسيره واجتهاداته. ولكن اساس الدين المسيحي هو الانجيل وتعاليم السيد المسيح. فالمسيحية نشأت في مناطق مختلفة يتميز كل منها بتقاليدها وثقافتها، ولا بد من أن تتأثر بهذه التعددية الموجودة".