على وقع الزيارة المنتظرة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى لبنان، من المرجّح أن يكون ملفّ ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل هو الأبرز على طاولة المباحثات، بغض النظر عن التركيز الإعلامي والسياسي على ملفات أخرى، منها التطبيع مع سوريا والضغوط على الجمهورية الإسلامية في إيران و"حزب الله".
وللدلالة على هذا الأمر، يمكن الإشارة إلى مشاركة وزير الخارجية الأميركية في الإجتماع، الذي انعقد مساء الأربعاء في تل أبيب، الإسرائيلي القبرصي اليوناني، الذي بحث في تطوير مشروع خط غاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، ويبلغ طوله 2100 كيلومتر، ويسمى (إيست ميد)، ويصل إلى إيطاليا عبر اليونان وقبرص.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الزائر الأميركي سيعيد المطالبة بإلتزام لبنان بما يُعرف بـ"خط هوف"، نسبةً إلى الوسيط الأميركي فريدريك هوف الذي عمل على معالجة النزاع النفطي قبل حوالي أربعة أعوام، والذي يعطي لبنان 60% واسرائيل 40%، الأمر المرفوض بشكل مطلق من قبل المسؤولين اللبنانيين، نظراً إلى أنه يحرم لبنان من حقوقه.
وتلفت المصادر إلى أن التهديد الأساسي، الذي يمثله المقترح الأميركي، يتعلق بالبلوك رقم 9، نظراً إلى أن الجانب الإسرائيلي كان قد سبق لبنان في عمليات الإستكشاف، ووجد حقولاً قريبة من الحدود اللبنانية، منها حقل "كاريش" الذي يبعد حوالي 4.5 كلم عن حدود لبنان الإقتصاديّة الخالصة من ناحية البلوك التاسع، وبالتالي تحاول تل أبيب أن تضغط على كونسورتيوم الشركات التي وقّعت مع لبنان عقوداً للحفر والتنقيب في البلوكين الرابع والتاسع، كي تحجم عن القيام بعمليات الحفر في البلوك التاسع القريب من حقل "كاريش"، بما يتيح لها لاحقاً أن تتمدد بنشاطاتها، وتقوم بعمليات سرقة لحقول الغاز المحاذية والموجودة بالآبار المشتركة.
في هذا الإطار، ينطلق الخبير النفطي ربيع ياغي، في حديث لـ"النشرة"، بالتأكيد أن ليس هناك من شيء اسمه خط هوف، بل هو عبارة عن طرح تقدم به المبعوث الأميركي عندما كان يتولى مهمة الوساطة أو التفاوض، يتضمن منح لبنان 60% من المساحة التي تحاول إسرائيل التمدد فيها في حين تبقى المساحة الباقية عازلة لا يحصل فيها أي نشاط بترولي، مع العلم أن تل أبيب هي معتدية على هذا الصعيد ولا يحق لها المطالبة بأي أمر أو وضع شروط.
وفي حين يشدّد ياغي على أن الموفدين الأميركيين ينقلون وجهة النظر الإسرائيلية، حيث تسعى تل أبيب لمنع أي نشاط نفطي إستكشافي أو إنتاجي في جنوب لبنان، بهدف قرصنة كميات النفط والغاز الموجودة في المناطق المشتركة، يعتبر أنه كان من المفترض الضغط كي تتدخّل الأمم المتحدة في هذه المسألة، لكنه يشير إلى أن لبنان هو من أدخل الدبّ على كرمه، بسبب الخطأ الذي أرتكب في عمليّة ترسيم الحدود البحريّة في قبرص في العام 2007، بالرغم من أن الإتفاقيّة من الجانب اللبناني غير مبرمة لغاية اليوم، ويعتبر أن هذا الخطأ هو الذي أعطى إسرائيل الذريعة لمحاولة قرصنة هذه المنطقة، ويرى أن المعالجة يجب أن تبدأ من إعادة التفاوض مع قبرص على هذه الإتفاقية لتصحيح هذا الخطأ، لأن ذلك سيدفع تل أبيب إلى التراجع.
بالنسبة إلى المؤتمر الثلاثي، الإسرائيلي القبرصي اليوناني، يوضح ياغي أنه منذ العام الفائت تم الإتفاق بين الدول الثلاث، برعاية الإتحاد الأوروبي، على مد خط أنابيب من حقل لفيتان الإسرائيلي وصولاً إلى حقل أفرودايتي القبرصي، ومن ثم نحو اليونان وصولاً إلى جزيرة كريت ثم جنوب إيطاليا، ويشير إلى أن هذا الخط يبلغ طوله 2200 كلم بكلفة 8 مليار دولار سيتولى الإتحاد الأوروبي تغطية معظمها.
ويلفت ياغي إلى أن هدفه نقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي باتجاه أوروبا، ما يخفف الإعتماد المطلق على الغاز الروسي، في حين أن الوقت لم يكن لصالح لبنان، ويشير إلى أن تل أبيب بدأت في الوقت نفسه مع لبنان، بين عامي 2000 و2001، عمليات المسح الجيولوجي، لكن اسرائيل باتت منذ نحو 5 سنوات بلداً منتجاً للغاز وسيصبح لديه إكتفاء ذاتيا وتبدأ عمليات التصدير في العام 2020، بينما لبنان حتى اليوم لم يبدأ عمليات التنقيب، ويضيف: "العدو يسبقنا بـ15 عاماً، ومن يسبق في الإنتاج يسبق إلى الأسواق".
في المحصلة، النقطة الأساس لحفظ الحقوق اللبنانيّة في الثروة النفطيّة هي في الموقف الموحّد، الذي من المفترض أن يواجه فيه وزير الخارجية الأميركيّة، خصوصاً أن بلاده تتولى منذ اليوم الأول نقل وجهة النظر الإسرائيليّة والدفاع عنها.