كثرت التحليلات حول زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى لبنان، وأشارت بمعظمها الى أن الموفد الاميركي يحمل في جعبته ملفات مهمّة، هي ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ملف النازحين السوريين والعلاقات مع سوريا، وملفّ العقوبات على حزب الله!.
بدأ برنامج الزيارة من وزارة الداخليّة والبلديّات، حيث تكشف مصادر عبر "النشرة" أن البند الرئيسي في اللقاء كان ملفّ المساعدات الأميركيّة إلى قوى الأمن الداخلي وباقي الأجهزة التابعة للوزارة، بالإضافة إلى ملفّ النازحين السوريين وعودتهم إلى بلادهم، مشيرة الى أن اللقاء في الداخليّة لم يكن سياسيًّا، كما هو الحال في اللقاءات الأخرى.
توجه بومبيو بعد الداخليّة الى قصر عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهنا بحسب المصادر كان "الدسم" السيّاسي، اذ أن بري أبلغ ضيفه مواقف لبنان الحاسمة للملفّات التي يحملها دون أن يضطرّ حتى الى إخراجها من حقيبته.
تكشف المصادر أنّ الضيف الأميركي فَهِم في عين التينة أن لبنان هذه المرة ليس بوارد البحث بأيّ مقترح جديد يخصّ ترسيم الحدود البحريّة، فالقرار اللبناني ينصّ على أولا عدم فصل ترسيم الحدود البحريّة عن الحدود البريّة، لانّ أيّ فصل بينهما سيجعل موقف لبنان ضعيفا في الملفّين، وثانيا رفض لبنان لمقترح العودة الى خطّ "هوف"، ورفضه خسارة أيّ شبر من مياهه وأرضه.
كذلك كان في عين التينة موقف بري الثابت بمسألة حزب الله، فالعقوبات الأميركيّة على الحزب تؤذي اللبنانيين بأكملهم لانّ حزب الله هو حزب لبناني يشارك في الحكومة والمجلس النيابي وهو يمثل شريحة كبيرة وواسعة، وبالتالي لن يطبّق لبنان المطالب الأميركيّة بعزله لأنّ ذلك لا يخضع لأيّ منطق، ولانّه يتعارض مع مصلحة لبنان.
وتلفت المصادر الى أنّ تبادل الرسائل بين بري وبومبيو لم يقتصر على اللقاء بينهما، اذ أوصل بري رسالة لضيفه الاميركي ورئيسه دونالد ترامب عبر المكتب السيّاسي لحركة أمل الذي أصدر بيانا قبل دخول بومبيو الى عين التينة بدقائق، مشدّدًا فيه على أن " حركة امل ترى وتؤمن بأنّ الجولان كما فلسطين كما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وكل ما عليها ينضح بهويتها العربيّة، ولم يغيّر من هذا الواقع أيّ موقف لأيّ كان".
وخلال اللقاء نفسه صدرت عن بومبيو تغريدة لافتة، دعمًا لاسرائيل، في موقف ترى فيه المصادر تعبيرا عن سياسة أميركا في لبنان وأهدافها، مشيرة الى أنّ الغريب ليس ما صدر عنه، بل أن يظن البعض في لبنان أنّ الولايات المتحدة الاميركيّة لا تفضّل مصلحة اسرائيل على ما عداها، وأنّ جولة مسؤوليها في المنطقة لا تهدف لحفظ مصالح اسرائيل.
بعد عين التينة توجّه بومبيو الى السراي الحكومي للقاء الحريري الذي استبقاه الى طاولة الغداء، ومن ثم توجّه الموفد الاميركي الى قصر بعبدا حيث اجتمع بالرئيس ميشال عون بحضور وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم. وتشير المصادر الى أن الرئيس عون منذ دخوله قاعة الاجتماع بدأ بتوزيع الرسائل وأولها سلامه البارد على بومبيو وعدم مصافحته دايفيد هيل.
لم يختلف ما سمعه بومبيو في عين التينة عما سمعه في قصر بعبدا، إنّما كان لرئيس الجمهوريّة توسّعا في عرض المواقف اللبنانيّة وتحديدا تلك المتعلّقة بالنازحين السوريين. تقول المصادر أنّ عون أبلَغ ضيفه موقف لبنان الثابت المُطالب بعودة النازحين في سوريا، رافضا كل موقف واقتراح لا يؤدّي الى هذه الغاية.
سمع بومبيو ما لا يشتهيه في ملفّ الحدود البحريّة مع اسرائيل، فالثروة النفطيّة اللبنانيّة غير قابلة للتفاوض، وما على اسرائيل سوى احترام حدود لبنان الخالصة، الأمر الذي يقع على عاتق الأمم المتّحدة تأمينه.
"في اللقاء أيضا ادلى الرئيس عون بوجهة نظر لبنان في مسألة العقوبات على حزب الله، فشدّد على ان الحزب مكوّن لبناني ولا يمكن معاقبته دون التأثير على كل لبنان"، تقول المصادر، مشيرة الى أنّ عون تطرّق أيضا الى موضوع المساعدات الاميركيّة للجيش اللبناني.
وكان لافتاً، حسب المصادر، رفض وزير الخارجية الأميركي التدوين على السجلّ الذهبي لقصر بعبدا كما يفعل جميع زوار القصر، متحجّجاً بضيق الوقت. كما رأت المصادر أنّ "تواجد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم في الاجتماع له رسائل كثيرة أيضاً، فجريصاتي صفحته "ليست بيضاء" عند الأميركيين بسبب مواقفه من المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان، كما أنّ تواجد ابراهيم دليل على مدى أهميّة ملف النازحين بالنسبة للبنان".
في وزارة الخارجيّة سمع بومبيو الكلام عينه: "نفط وغاز لبنان "خط أحمر" ولا تنازل عن أيّ جزء من حقوقه". كما ذكّر وزير الخارجية جبران باسيل بحقّ لبنان بالدفاع عن نفسه وبمقاومة التعدّيات الإسرائيليّة. ولم يغب موضوع النازحين السوريين عن الاجتماع، إذ كان باسيل صارماً في موضوع ضرورة عمل المجتمع الدولي لإعادتهم إلى بلادهم.
وفي موضوع حزب الله، خرج بومبيو خالي الوفاض من الاجتماع مع باسيل رغم كلمته عالية النبرة والهجوم العنيف على الحزب، فقد سمع من باسيل تأكيداً بأن حزب الله جزء من النسيج اللبناني وهو يمثّل شريحة كبيرة جدا من الشعب اللبناني.
قد تكون من المرّات القليلة التي يتوحّد فيها رؤوس السلطة في لبنان، إذْ لا شكّ في زوايا هذا البلد سنجد من يتلقّى الأوامر الأميركيّة ويسعى لتطبيقها. هذه المرّة كان الموقف اللبناني حاسمًا، والثبات على الموقف يؤدّي الى الغاية المطلوبة.