شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الوقت حان للاعتراف بالسيادة الإسرائيليّة على هضبة الجولان، التي احتلّها الجيش الإسرائيلي في حرب 1967، الحدث الأبرز في الساعات الماضية، نظراً إلى التداعيات المترتبة عليه، والتي يمكن الإشارة إليها من خلال الرفض الكامل من معظم دول العالم له، باستثناء إسرائيل التي سارع رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو إلى الترحيب بهذه الخطوة.
وفي حين يُفضّل البعض وضع هذه الخطوة في سياق المصالح المتبادلة، بين ترامب ونتانياهو، نظراً إلى أن الأول يحتاج إلى دعم تل أبيب في ظلّ المواجهة التي يخوضها على الصعيد الداخلي، بينما الثاني يواجه إنتخابات مصيريّة في وقت قريب، فإنّ تداعياتها قد تكون أبعد من ذلك، لا سيّما لناحية السعي إلى تكريس أمر واقع، من قبل القوّة الدوليّة التي يحرص العرب دائماً على أن تتولى "الوساطة" مع إسرائيل.
في هذا السياق، فان النقطة المفصليّة في هذا المسار، الذي بدأ منذ تولي ترامب الرئاسة الأميركية، كانت غياب أيّ ردة فعل عربيّة بوجه الخطوات السابقة، مثل الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركيّة إليها، ما شجعه على الإنتقال إلى الخطوة الثانية، أيّ الإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وربما إلى خطوات أخرى في المستقبل، قد تكون متعلّقة بالثروة اللبنانيّة النفطيّة في البحر المتوسط أو بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وجميع هذه الخطوات، تندرج في ما بات يعرف على مستوى المنطقة بصفقة القرن، التي يرعاها مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر، بالتعاون مع بعض الدول العربيّة التي تدور في الفلك الأميركي، والتي لن تكون بعيدة عن هذا التوجّه، بالرغم من الإعتراضات التي قد تبديها في العلن، ما يدفع إلى السؤال عن ردّة الفعل التي قد تنتج عن هذا الواقع الجديد، حيث من غير المتوقع أن تكون مختلفة عمّا حصل بعد الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
على هذا الصعيد، قد يكون الأخطر في الخطوة الأميركيّة الجديدة أنها تأتي في وقت تُطرح فيه الكثير من علامات الإستفهام في المنطقة حول مصير دولها، بعد موجة الحروب التي سيطرت عليها على مدى السنوات السابقة، والتي قادت إلى طرح أسئلة حول شكل النظام السياسي المقبل، الّذي قد يكون مقدّمة لإعادة رسم حدودها أيضاً، وهذا الأمر لا يقتصر على سوريا والعراق بشكل خاص فقط، بل يشمل تركيا، التي تبدي تمسكاً بموقفها الرافض لنشوء كيان كردي سوري على حدودها، ودول أخرى.
وعلى الرغم من التعويل الإسرائيلي الكبير على هذه الخطوات، إلا أن هذا الأمر قد لا يكون عملياً نظراً لعدم تماهي العديد من القوى الفاعلة معها، بالإضافة إلى موجة الإعتراض التي عبّرت عنها القوى الدوليّة الكبرى، التي سارعت إلى التحذير من التداعيات الأمنيّة والسياسيّة التي قد تترتّب على ذلك، من دون تجاهل عامل أساسي أنها تأتي في وقت بدأت الدولة السوريّة فيه بإستعادة زمام الأمور، بعد فشل مشروع إسقاطها من خلال الحرب القائمة منذ العام 2011.
في هذا الإطار، قد يكون الخيار الأكثر ترجيحاً على هذا الصعيد هو أن كلاًّ من الولايات المتحدة وإسرائيل يريدان خلق أمر واقع، عبر سلسلة من الخطوات المتلاحقة ذات السقف العالي، قبل الوصول إلى أيّ مرحلة مفاوضات أو تسوية، لا سيّما أن الجانبين يدركان إستحالة ضمّ الجولان إلى السيّادة الإسرائيليّة من الناحية العمليّة، في ظلّ الإعتراض الشعبي الواسع الذي ترجم على مدى السنوات السابقة، وبالتالي من الممكن أن يكون السعي هو إلى خلق بيئة صديقة عنوانها الحفاظ على الأرض، بما تختزنه من ثروات طبيعية متنوعة.
في المحصّلة، داخل الولايات المتحدة معلومات عن خطّة سلام جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ستطرحها واشنطن بعد الانتخابات الإسرائيليّة المقرر إجراؤها في 9 نيسان المقبل، إلا أنّ اللافت هو أنّها تسعى إلى وضع كل الخطوات التي تقوم بها على هذا الصعيد في سياق العداء مع إيران، التي عملت على تحويلها إلى العدو الأساسي لبعض الدول العربيّة.