وطنٌ صغير... وأحلام كبيرة.
بلدٌ صغير... وملفات كثيرة.
دولةٌ ناشئة وواعدة... ومطالب كثيفة.
***
هذا هو الواقع اليوم في لبنان... مشهد سوريالي بكل ما للكلمة من معنى. بلدٌ لا تتجاوز مساحته الـ 10452 كلم2، ولا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين لبناني، تنهمر القضايا والملفات والاستحقاقات عليه كزخَّات المطر...
ليس بلدًا منسيًا في أقاصي الأرض، وليس بلدًا هادئًا، حتى الصقيع، من بلدان أوروبا الشمالية، بل هو بلدٌ في قلب المعمعة:
على أرضه، صراع بين النفوذ الأميركي والتكتل المواجِه لأميركا.
وعلى أرضه تفاعل حضارات، ومنهم مَن يقول: تصارع حضارات.
على أرضه، نازحون ولاجئون بنصف عدد سكانه.
لا مال في جيوب الكثير من مواطنيه.
مليارات في دفاتر الدَيْن.
الأجندة مليئة بمواعيد استحقاقات الدين وفوائد الدين.
إنه بلدٌ غريب عجيب!
في ظل "كادر الصورة" هذا، يبدأ رسم الصورة:
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتوقَّع ان يكون الإثنين في روسيا، وقبل توجهه إلى "عاصمة القياصرة" يوجِّه رسائل في اكثر من اتجاه، ليقرأها الاميركيون قبل الروس، والاوروبيون قبل العرب.
يقول الرئيس عون: "حزب الله" محاصر ماليا. فأصبحنا بذلك محاصرين عالميا، لأن الـتأثير السلبي للحصار على "حزب الله" يصيب كل اللبنانيين، كما المصارف اللبنانية، فكل مصرف
لبناني لديه توجس من التعامل مع أي مودع خوفا من أن تكون لديه علاقة مع "حزب الله". فالمصرف أصبح لديه خوف من الزبائن الذين بدورهم يخافون منه. وهذا الخوف المتبادل لا يبني اقتصادًا وعلاقات تجارية سليمة، وبذلك اصبح لبنان ضمن الحصار المفروض على الآخرين ولا سيما على إيران، وهو يمرّ نتيجة لذلك بأزمة كبيرة.
كلامٌ كبير، لكنه واقعي، فهو يعكس حقيقة خطوط الصورة، ومن المكابرة عدم رؤيتها. وهو قال هذا الكلام قبيل وصول رئيس الديبلوماسية الأميركية مايكل بومبيو، آتيًا من اسرائيل ، وبالتأكيد قرأه بومبيو وهو على الطائرة التي أقلَّته الى بيروت وبالتأكيد قرأه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل استقباله الرئيس عون في الكرملين.
***
لكن، اعان الله لبنان، فرئيس الديبلوماسية الأميركية يرفع السقف الى المستوى الذي يصعب على لبنان تحمله. بومبيو يريد من لبنان عدم الالتفاف على العقوبات، يمتثل بها مبديًا تعاونًا كاملًا. وانطلاقًا من هذا التجاوب بالإمكان الحديث عن دعم اميركي واوروبي للبنان.
ولم يعد خافيًا على أحد ان الولايات المتحدة الاميركية واوروبا على توافق على حظر تخصيص أموال لإعادة إعمار سوريا، وهذا لم يعد سرًا بل صدر في بيان مشترك أميركي، بريطاني، فرنسي، الماني منذ أيام.
هكذا، واشنطن تريد إبعاد لبنان عن السيطرة الإيرانية وتأثيرات روسيا، وتعميق الحضور الأميركي في لبنان سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا.
***
لكن في المقابل ترتسم جبهة مناهضة لأميركا في المنطقة، قوامها إيران والعراق وروسيا، وهذا ليس كلامًا بل يرقى إلى مستوى التقديمات والأفعال. فإيران من خلال الحرس الثوري فازت بعقد إدارة مرفأ اللاذقية لاستخدامه من أجل الالتفاف على العقوبات الاميركية، كما فازت في امتياز إنشاء شبكة جديدة للهاتف الخلوي في سوريا، وهذا من شأنه أن يدر عليها أموالًا من العملات الصعبة تعينها في مواجهة النقص في هذه العملات نتيجة الحصار المفروض عليها.
***
ماذا يعني لبنان من كل ذلك؟
الذي يعني لبنان ان هناك وضعًا بالغ التعقيد في المنطقة، وتأثيراته ليست قليلة على هذا الوطن الصغير الذي تبدو فيه أحلامه وطموحاته أكبر من إمكاناته.