بالرغم من إعلان "قوات سوريا الديموقراطيّة" كما الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية الأسبوع الماضي القضاء التام على ما يسمّى بـ"داعش" وتأكيدهما خسارتها لأراضي سيطرته بنسبة مئة في المئة بعد سقوط آخر معاقله في الباغوز، الا أن بعض التدقيق يؤكّد انّ التنظيم لا يزال يسيطر على مساحات واسعة في سوريا تعادل حوالي 40% من مساحة لبنان، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، أضف أنّ خطره بات يتّخذ أشكالا متعددة مع اعتماده استراتيجية جديدة تتجاوز مفهوم "الخلايا النائمة" إلى مفهوم "الولايات الأمنيّة".
ويشير الخبير في الجماعات المتطرفة عبد الرحمن الحاج الى أنّ عمل "داعش" وفق مفهوم "الولايات الامنيّة" لا يزال عملا منظّما ومتحكم به مركزيا، لافتا الى قرار التحول باتجاه الولايات اتّخذه التنظيم مع اقتراب نهاية سيطرته على الأرض، وهو يتيح له البقاء عليها والقدرة على زعزعة الاستقرار وإمكانيّة العودة في ايّ وقت للسيطرة مجددا على مساحات من الاراضي.
ويعتبر الحاج أن "تنظيم "داعش" ولد نتيجة ظروف سياسيّة واجتماعيّة في العراق وتمدّد في سوريا لظروف مشابهة بعد اندلاع الأزمة العام 2011، وجوهرها تهميش الاكثريّة السنيّة العربيّة عن الحكم وانعدام العدالة مع ظروف اقتصاديّة مجحفة"، مشيرا الى انّ "هذه الظروف لم تتغيّر بل تضاعفت، وهذا يشكّل بيئة ملائمة لعودة سريعة له وان كان سيعمد الى تغيير شكله والاستفادة من هذه التجربة الهائلة التي امتدّت لخمس سنوات". ويضيف الحاج: "معظم الخبراء والباحثين يعتقدون أن عودة داعش ممكنة في أيّ وقت. فهذا التنظيم ليس تنظيما عدميّا دينيّا وحسب، انما له أهداف سياسيّة معروفة، لذلك سيبقى موجودا في منطقة سيطرته القديمة، ولكنه سيكون منتشرا في الغرب اكثر، وربّما يتصاعد تهديده أكثر من أيّ وقت مضى على اعتبار تكتيكه الجديد يمتدّ إلى عموم شبكات التجنيد الخاصّة به"، معتبرا انه "ما لم يجر حل عادل في المنطقة وإقامة تسوية سياسية، سيعود داعش أو النسخة الثانية منه بكل تأكيد، ولا أحد يعرف مدى عنفها بعد ولا الإمكانات التي ستكون في متناولها واستخدامها".
واذا كان الكثيرون يعتقدون اليوم انه لم يعد هناك تواجد ظاهر لعناصر "داعش" في سوريا بعد خسارته الباغوز، فانّ المرصد السوري لحقوق الانسان يؤكّد العكس تماما، متحدّثا عن تمدّده في جيب واسع تبلغ مساحته نحو 4000 كلم مربع في منطقة أبو رجمين شمال شرق مدينة تدمر، والممتدة نحو بادية دير الزور الجنوبيّة داخل الحدود الإداريّة لمحافظة دير الزور، وهو جيب كبير يعادل بمساحته نحو 40% من مساحة لبنان. كما يواصل التنظيم نشاطه ضمن البادية السوريّة، حيث يتواجد على شكل جيوب متفرّقة وعلى شكل خلايا ضمن شمال الحدود الإداريّة لمحافظة السويداء، وفي منطقة بادية السخنة ومنطقة حميمة، إضافة لتواجد عناصر تابعة له على شكل خلايا نائمة ونشطة في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، ومناطق أخرى ضمن مناطق سريان الهدنة الروسية–التركية، كما يتواجد التنظيم بتعداد من 4000 الى 5000 عنصر على شكل خلايا نائمة ونشطة ضمن منطقة شرق الفرات، التي تسيطر عليها قوات سورريا الديمقراطيّة.
فلماذا المسارعة الأميركية لاعلان انتهاء "داعش" في سوريا؟ وهل بات هناك دور جديد غير معلن سيلعبه التنظيم الذي بات يتّخذ اشكالا شتى في المرحلة المقبلة؟ وهل يمكن الحديث عن تفاقم خطره بعدما بات عناصره يتحركون وفق استراتيجيات جديدة منظّمة ومدروسة؟.