يتسارع صراع النفوذ الروسي الاميركي في العالم، وآخر صوره تجلت بإعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الاول من شباط الماضي عن إنسحاب بلاده من معاهدة "الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى-آي أن أف" التي تم توقيعها عام 1987 بين الإتحاد السوفياتي السابق متمثلا برئيسه آنذاك ميخائيل غورباتشوف والرئيس الأميركي رونالد ريغان، حيث التزم الجانبان بعدم تطوير وإنتاج صواريخ باليستيّة ومجنّحة متوسطة المدى. وبالتالي فإنّ إعلان هذا الأمر دفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعلان إنساحاب بلاده أيضا، الأمر الذي أدّى الى توتّر العلاقات بين البلدين وانتهاء اتفاق استمر لـ30 سنة.
بدأ التوتر بين الدولتين بعد مطالبة الولايات المتحدة لروسيا بتدمير نظام جديد مطوّر عن صواريخ كروز، وهي صواريخ ذات مدى كبير ما اعتبرته واشنطن "انتهاكا مباشرا للمعاهدة"، الأمر الذي رفضته روسيا بشكل قاطع، ورأت أن نشر الأميركيين وحلف "الناتو" للصواريخ المتوسطة المدى في كل من رومانيا وبولندا خرقا لهذه المعاهدة وتهديد للأمن الروسي، ما دفعها للرد على الخطوة الاميركية بالمثل.
سباق تسلح؟
رأى المحلل السياسي في وكالة "سبوتنك" الروسيّة حسين سمّور، في حديث مع "النشرة"، أنه "برز على الساحة الدوليّة عدة قوى أصبحت كبيرة غير الولايات المتحدة وروسيا، كالصين والهند وباكستان وهي قوى تعمل على تطوير ترسانتها النووية"، معتبراً أن "الروس والاميركيين تعبوا من الاتفاقيّة، وأصبح لديهم حاجة لإعادة النظر فيها".
أمّا السفير اللبناني السابق في واشنطن رياض طبّارة، فرأى في حديث مع "النشرة" أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتّهم الروس انهم يطورون اسلحة من هذا النوع، ولكن همّه الأكبر انّ هذه المعاهدة لم تشمل الصين، الّتي تطور هذه الأسلحة، والمواجهة اليوم بين واشنطن وبكّين تأخذ حيزا كبيرا من الصراع الدولي، ولكنه استغلّ خرق الروس لهذه المعاهدة للانسحاب منها وللتوصل الى اتّفاق جديد يشمل الصين".
ولفت طبارة الى ان "الانسحاب هدفه العودة الى مفاوضات جديدة وادخال الصين اليها، وهذه طريقة تعامل ترامب مع هذه الملفات، اولا الإنسحاب ولاحقا العودة، كما فعل بعدة معاهدات"، معتبراً أن "الإنسحاب من هذه المعاهدة هو لاعادة النظر فيها".
الإنسحاب والملفات الدولية
في طبيعة العلاقات الدوليّة الحديثة، إن اي توتر أميركي-روسي ينعكس على الملفّات العالميّة، وعلى مناطق صراع النفوذ بين الجانبين أو بين المحاور التي يقودانها، الا أن هذا التراجع عن الإلتزام بالإتفاقية "لن يؤثر على منطقتنا وليس له علاقة بالتهديد الروسي لأوروبا، بل كل ما في الأمر ان الأميركين يلاحظون ان هناك تغيرا في الحالة الدولية وتقدما في القوة العسكريّة الصينيّة، في ظلّ غياب للتوقيع الصيني على المعاهدة، ما يشكل تهديدا في معادلة القوى الدولية بالنسبة لأميركا" حسب طبارة.
من جهته، اعتبر سمّور أنه "من الطبيعي حصول تصادم مصالح بين الدول الكبرى، وهذا ممكن أن يحرّك ميزان صراع النفوذ، لكن الإنسحاب من المعاهدة لا يمكن ان يتطور ويصبح صداما مباشرا"، مشيراً الى أن "روسيا قامت بهذه الخطوة في الثاني من شباط للردّ بالمثل على الأميركيين الذي اتخذوا قرار الانسحاب في أوّل الشهر عينه"، موضحاً أن "الروس أرادوا إيصال رسالة معينة من هذا الإنسحاب ولم يكن هدفهم تجييش مجتمعهم للتحضير لحرب".
انتشار السلاح النووي؟
التخوف والقلق على الأمن والسلم الدوليين عاد من جديد، خصوصا مع وجود رئيس أميركي كترامب، إلا أن "هذا الاتفاق هو الوحيد الذي يستطيع الاميركيون المناورة فيه، ولن يتمكنوا من فتح ملفات اكبر اضافة الى أن هذا ليس الوقت المناسب لفتح ملفات أخرى كملف اتفاق منع انتشار الأسلحة النووية" حسب سمّور.
في السياق نفس لفت طبارة أن "هذا الانسحاب لن يوصل الى انسحاب من اتفاقيات أخرى، فهما أصلا معاهدتين مختلفتين، ولكن معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية قد يأتي وقتها بحسب تغيّر المعطيات"، مشيراً الى أن "السلاح الذي تعتمده الولايات المتحدة اليوم ليس السلاح العسكري، إنما المالي والبترول والعقوبات، فالأميركيون يعتبرون ان سلاحهم الاقتصادي اقوى وأرخص بكثير".
أدى الإنسحاب الأميركي ومن ثم الروسي من معاهدة الصواريخ متوسطة المدى إلى خلق حالة من الخوف في أوساط المجتمع الدولي، إلا أنه تبيّن فيما بعد ان هذا الأمر هو مجرد تهويل، فالمعاهدات التي مرّ عليها الزمن تحتاج الى تطوير، في ظلّ تقدم بعض الدول التي تفرض نفسها كقوّة إقتصاديّة، وبالتالي ما يجعلها تعزّز ميزانيتها للبحوث والصناعات العسكريّة، ما يوجب اعادة النظر في معاهدات التسلّح للحفاظ على قواعد الإشتباك وموازين القوى. وانطلاقا من ذلك، ففكرة نشوب حرب عسكريّة جديدة تبقى مستبعدة وفق المعطيات الراهنة.