وجه بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، الرسالة الراعوية الثامنة، بعنوان "الكنيسة المارونية رسولية ومرسلة ورسالية"، جاء فيها:
"1 - كنيستنا المارونية المنبثقة من كنيسة المسيح الجامعة هي رسولية ومرسلة ورسالية. وبالتالي مدعوة بحكم طبيعتها للالتزام في عيش سر الخلاص بيسوع المسيح، والشهادة له في النطاق البطريركي وبلدان الإنتشار. فينبغي أن يحتل هذا الالتزام مكانة القلب النابض في وجدان الموارنة.
كنيستنا رسولية لأنها كنيسة أنطاكية، إذ تكونت ضمن كنيسة أنطاكية التي نشأت من تبشير الرسل. ففي أنطاكية، عاصمة الإقليم الشرقي في الإمبراطورية الرومانية، أسس القديس بطرس الرسول كرسيه، قبل الانتقال إلى روما. وفي أنطاكية "دعي التلاميذ لأول مرة مسيحيين" (أعمال 26:11). وفيها انفتحت الكنيسة على الأمم فأضحت "بنت الشعوب".
وهي مرسلة كما كنيسة المسيح بأمر إلهي خاص منه لتكون أداة خلاص. فكما أرسله الآب، وقبل صعوده إلى السماء، أرسل رسله وخلفاءهم الأساقفة ومعاونيهم الكهنة إلى العالم كله (راجع يو 21:20)، وأمرهم: "إذهبوا وتلمذوا كل الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم كل ما أوصيتكم به" (متى28: 19-20). إننا كلنا بحكم معموديتنا في كنيسة المسيح "مرسلون لنعلن إنجيله إلى الخلق أجمعين". وهي مسؤولية ضميرية، لأن الرب يضيف: "من يؤمن ويعتمد يخلص، ومن لا يؤمن يدان" (مر 15:16).
كنيستنا المارونية مرسلة بحكم تراثها النسكي وروحانيتها السريانية. هذه الميزة الإرسالية ذات وجهين: النسك كتجذر إنجيلي وزهد وشهادة للملكوت في قلب الكنيسة والمجتمع، ورسالة من أجل إشراك الآخرين في سر الخلاص بالمسيح.
وهي رسالية بحيث أنها ترسل كهنة ورهبانا وراهبات إلى بلدان الإنتشار، وتؤسس رسالات ورعايا وأبرشيات لخدمة شعبها من الجهة الروحية والراعوية، ولأعلان إنجيل المسيح للذين يجهلونه، والعمل على إشراك الجميع في سر الخلاص بالمسيح.
2 - لقد اخترت موضوع الوجه الرسالي لكنيستنا لأن قداسة البابا فرنسيس أعلن شهر تشرين الأول 2019 شهرا رساليا عالميا، في رسالته الرسولية في 22 تشرين الأول 2017، بمناسبة مرور مئة سنة على رسالة البابا بندكتوس الخامس عشر "Maximum Illud" في 30 تشرين الثاني 1919، ورأى فيها، بعد ويلات الحرب العالمية الأولى، ضرورة إعلان الإنجيل بداعي الحاجة إلى الاستنارة به. هذه الضرورة هي حاجة شعبنا ومجتمع اليوم، بداعي اتساع رقعة جهل الإنجيل وتعليم الكنيسة وعدم الاكتراث لهما. وهذا هو سبب التقهقر.
أتناول موضوع هذه الرسالة الراعوية الثامنة في أربعة فصول: لاهوت الرسالة، رسالية كنسيتنا المارونية، واقع رسالاتنا المارونية اليوم، وتوجيهات راعوية".
الفصل الأول
لاهوت الرسالة
3 - الكنيسة بطبيعتها مرسلة ومرسلة، إذ أنها تتأصل في رسالة الإبن ورسالة الروح القدس، طبقا لقصد الآب الشامل من أجل خلاص الجنس البشري. يصدر هذا القصد الإلهي عن "منبع الحب" الذي هو محبة الآب. أجل، إنه يريد خلاص كل الشعوب وإشراكهم في نعمة الفداء بموت المسيح وقيامته، بواسطة خدمة الكنيسة التي جعلها سر الخلاص الشامل، أي علامة وأداة للاتحاد بالله ووحدة الجنس البشري.
تصميم الآب
4 - الله الآب هو مصدر الرسالة وغايتها، "الكنيسة تصلي وتعمل في آن، لكي يتحول العالم بكليته إلى شعب الله، جسد المسيح السري، وهيكل الروح القدس. وهكذا يقدم بالمسيح كل إكرام وتمجيد للآب، خالق الكون وأبيه" . فلكي يكون جميع الناس من شعب الله الجديد، ويمتد هذا الشعب إلى العالم أجمع وإلى الأجيال كلها، مع بقائه واحدا موحدا، أرسل الله ابنه، ليكون للجميع معلما وكاهنا وملكا، ولشعب الله الجديد والشامل رئيسا. ثم أرسل روح ابنه، الرب المحيي الذي هو، للكنيسة جمعاء وللجميع ولكل منهم، مبدأ التجمع والوحدة في تعليم الرسل والشركة الأخوية وكسر خبز القربان والصلوات (أعمال 42:2) .
5 - يؤكد القديس بولس الرسول أن "إرادة الآب أن يخلص جميع الناس، ويقبلوا إلى معرفة الحق" (1طيم 4:2). ولذا "أطلعنا على سر مشيئته الذي ارتضى أن يحققه بنفسه، فيجمع تحت رأس واحد، هو المسيح، كل شيء، ما في السماوات وما في الأرض" (أفسس1: 9-10). بهذا التصميم أعطى للكون وللتاريخ معنى. فالتاريخ لا يدور في حلقة أبدية، ولا يكرر نفسه، بل ولا يجد معناه في التطور العلمي والتكنولوجي. المسيح وحده هو مفتاح التاريخ البشري ومعناه وغايته .
لقد حقق الله الآب تصميمه الأبدي، فخلقنا ودعانا لمشاركته في حياته ومجده. وما زال لسخائه يفيض علينا من جودته مجدا وسعادة .
رسالة الإبن الإلهي يسوع المسيح
6 - من أجل هذه الغاية، قرر الله الدخول بشكل نهائي وجديد في تاريخ البشر، من بعد أن "كلمهم قديما بالأنبياء وبأنواع شتى" (عب 1:1)، فأرسل ابنه الأزلي بجسد شبيه بجسدنا إلى العالم وكرسه (راجع يو 16:10)، لكي يفتديه بموته وقيامته، ويحقق السلام والمصالحة، ويحرر الناس من سلطان الظلمة والشيطان (راجع كول13:1؛ أعمال 38:10) .
هكذا أعلن يسوع عن نفسه، عندما قرأ نبوءة أشعيا المكتوبة عنه، ذات سبت في مجمع الناصرة: "روح الرب علي مسحني وأرسلني لأبشر المساكين، وأشفي القلوب التائبة، وأعلن الحرية للأسرى، وأعيد للعميان البصر" (لو18:4). ثم أضاف في موضع آخر أنه "أتى ليبحث عن الضائع ويخلصه" (لو10:19).
تجسد الإبن رسالة بحد ذاتها، لأنه دنح الله واعتلانه للناس: "من رآني رأى الآب": يسوع، رسول الآب إلى العالم بكلامه وأعماله ومواقفه، عرف العالم به وبمحبته: "عرفتهم اسمك وسأعرفهم، لتكون فيهم المحبة التي بها أحببتني وأكون أنا فيهم"، فينال الحياة الأبدية كل من يعرف الآب. حياته بكليتها رسالة لأنها حياة من أجل الآخرين، معطاة بفعل حب، وهي بكليتها إفخارستيا دائمة بذبيحتها الخلاصية ووليمتها الروحية لحياة العالم. كان الهدف الأساسي لرسالته على الأرض إعلان الكلمة. ولما كانت الجموع تطلبه وتحاول التمسك به لئلا يذهب عنهم، كان يقول لهم: "يجب علي أن أبشر سائر المدن أيضا بملكوت الله، فإني لهذا أرسلت".
7- وفوق ذلك أرسله الآب وسيطا أصيلا بين الله والبشر. ففيه تسكن جسديا الألوهة بملئها، وهو آدم الجديد (كول 9:2). هو وسيط الوحي بكامله وهو ملؤه في آن معا. تؤمن الكنيسة إيمانا ثابتا أن وحي ملء الحقيقة قد تحقق في سر يسوع المسيح ابن الله المتأنس الذي هو الطريق والحق والحياة (يو 6:14). فيه أظهر الله ذاته كليا: قال للبشرية من هو. هذا الوحي النهائي لله عن ذاته هو الداعي الأساسي الذي يجعل الكنيسة رسالية بطبيعتها، لتعلن ملء الحقيقة عن الله والإنسان والتاريخ .
ويسوع هو وسيط الخلاص الوحيد. فإرادة الله الواحد والمثلث الأقانيم الخلاصية الشاملة قد ظهرت وتمت مرة واحدة في سر تجسد ابن الله وموته وقيامته. ذلك أن له مهمة خاصة به، محصورة به، شاملة ومطلقة هي خلاص الجميع . ولذا شهد بطرس الرسول قائلا: "لا خلاص إلا بيسوع المسيح. فلا يوجد تحت السماء إسم آخر يعطى للبشر، يمكن أن نخلص به" (أعمال 12:4).
رسالة الروح القدس
8 - من أجل أن يعلن سر الخلاص ويشمل جميع الشعوب، وينتشر في العالم كله، ابتداء من أورشليم (أعمال 8:1)، أرسل الرب يسوع، من لدن الآب، الروح القدس لكي يحقق من الداخل عمل الخلاص، ويساعد الكنيسة على نشر رسالتها . إن عمل يسوع المسيح الخلاصي، بالروح القدس ومعه، يعم البشرية جمعاء، حتى وراء حدود الكنيسة المنظورة . وفي هذا السياق، يؤكد آباء المجمع الفاتيكاني الثاني: "لا يصح ذلك فقط في الذين يؤمنون بالمسيح، ولكن في كل الناس ذوي الإرادة الصالحة الذين تعمل النعمة في قلوبهم بطريقة خفية. فإذا كان المسيح مات عن الجميع، وإذا كانت دعوة الإنسان الأخيرة هي حقا واحدة للجميع، إي أنها دعوة إلهية، علينا إذا أن نتمسك بأن الروح القدس يقدم للجميع إمكانية الإشتراك في سر المسيح الفصحي بطريقة يعرفها الله وحده .
في الواقع، هيأ الروح القدس للإبن لا من خلال أنبياء العهد القديم وحسب، بل أيضا من خلال زرع الكلمة (logos) في حضارات الشعوب وثقافاتها وطقوسها. ويستمر في هذا الإعداد من خلال ما يزرعه في قلب كل إنسان وعقله من سعي الى الحقيقة، والسعادة، والمحبة وملء الحياة…
9 - في كتاب أعمال الرسل يظهر الروح القدس كالفاعل الأول والأساسي في رسالة الكنيسة. فحدث العنصرة نفسه هو الحدث التأسيسي للكنيسة، وهو حدث تبشيري وإرسالي ببعد شمولي، إذ سمع كل الحاضرين في أورشليم يومذاك شهادة التلاميذ كل بلغته. وقد منحهم الروح الجرأة، هذه العطية الأساسية لكل شاهد للمسيح، كما نراها في شهادة بطرس أمام الألوف الذين تجمعوا يوم العنصرة. إنها جرأة وقوة روحية مؤثرة تلمس القلوب فتميلهم إلى التوبة بتغيير الذهنية والمسلك بحسب الإنسان الجديد. عرفت الكنيسة الأولى أهمية هذه العطية بخاصة في وقت المحن والاضطهادات. فكانت تطلبها قبل كل شيء في صلاتها.
يضطلع الروح القدس بدور القائد في رسالة الكنيسة: يختار الأشخاص ليرسلهم، يختار أماكن الرسالة يقود الرسالة بطرق عجيبة أحيانا كالطريقة التي وصلت بها البشارة الى الولاة والحكام من خلال بولس المقيد بالسلاسل. هو الذي دفع بالكنيسة الأولى إلى الانطلاق نحو الوثنيين، "فقال الروح لفيليبس: اقترب، والزم هذه المركبة" مما قاد إلى إيمان خادم ملكة الحبشة. وهو الذي حضر بطرس وأمره بالذهاب الى بيت قرنيليوس "وبينما بطرس يفكر في الرؤيا، قال له الروح: "هوذا ثلاثة رجال يطلبونك، قم وانزل واذهب معهم غير مرتاب في شيء، لأني أنا قد أرسلتهم"، وكان فاعلا في كرازته: "فبينما بطرس يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة". لم يقتصر عمل الروح على سامعي كرازة بطرس في بيت قرنيليوس ليقودهم إلى التوبة، بل شمل بطرس نفسه الذي بدوره عاش توبة وتغييرا جذريا في نظرته الى غير اليهود. ففي البداية كان موقفه رفضا لمخالطة الوثنيين من منطلق الأمانة للشريعة، لكن الروح جعله يفهم منطق الله ومحبته التي تشمل الجميع دون تفرقة. إن الرسالة لا تغير العالم وحسب بل الكنيسة أيضا. هذا بعض من معاني كلام يسوع إن "الروح يقود الكنيسة الى الحق كله" (يو 13:16). ليست الكنيسة من ينظم الرسالة، بل ليست هي سيدة نفسها في الرسالة. إن رسالتها تنجح بقدر ما تنقاد للروح القدس كما يشهد كتاب أعمال الرسل.
الفصل الثاني
رسالة الكنيسة المارونية:إلتزام برسالة الكنيسة الجامعة
10 - الكنيسة المارونية ملتزمة برسالة الكنيسة الجامعة التي هي بطبيعتها مرسلة ومرسلة، لأنها تواصل رسالة الابن، وهي جسده السري "فكما أرسلني أبي، أرسلكم أنا أيضا" (يو21:20). فقد ولدت من كرازة المسيح وأرسلت لتبشر به. ليست الرسالة اختيارية، بل هي إرادة الرب وأمره الواضح والقاطع على ما كتب بولس الرسول: "فإذا كنت أبشر فلا فخر لي، لأن ذلك ضرورة مفروضة علي والويل لي إن لم أبشر"، إنها وصية مرتبطة بالإرسال الإلهي: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به، وهاءنذا معكم كل الأيام الى نهاية العالم". هذا الإرسال من المسيح يتواصل كل يوم، والكنيسة ترسل بدورها أشخاصا ومؤسسات لإتمام الهدف الإلهي.
لا يمكن تجاهل إرادة المسيح تحت أي ذريعة كانت، فعليها يتوقف لا خلاص غير المسيحيين فقط، بل وبخاصة خلاص المسيحيين عامة بحكم المعمودية، وخلاص المقامين في خدمة الأسقفية والكهنوت بحكم الدرجة المقدسة، والمكرسين والمكرسات بحكم نذورهم الرهبانية. فلنتذكر كلام القديس البابا بولس السادس: "يمكن للناس أن يخلصوا بطرق أخرى بفضل رحمة الله حتى ولو لم نعلن لهم الإنجيل، لكن هل يمكننا نحن أن نخلص إذا كنا لا نعلن الإنجيل عن إهمال، أو عن خوف أو عن حياء، أو لأي سبب آخر . فإعلان الإنجيل يولد الإيمان، والإيمان يؤدي إلى المعمودية وممارسة الأسرار لنيل نعمة الخلاص (راجع مر16: 15-16).
الإيمان عطية لا يمكن أن نحتفظ بها لأنفسنا، خاصة عندما ندرك حاجة العالم الماسة إليها. فالعالم الجديد الذي وعد به الرب "ها أنا أجعل كل شيء جديدا" والذي سيكتمل بمجيئه الثاني، يبدأ بالتحقق لا بتغيير الهيكليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل بخاصة بالتوبة إلى الله وإنجيله، لأن الخطيئة الشخصية هي في أساس كل ظلم اجتماعي. فإذا أردنا مجتمعا أكثر إنسانية، وجب أن نعالج جذور الشر وليس نتائجه فقط. من هنا البشارة حاجة ملحة وهي فعل محبة تجاه عالمنا وتجاه كل إنسان.
ميزة النسك الرسولي
11 - ما تتميز به الكنيسة المارونية في إطار لاهوت الرسالة وروحانيتها هو البعد النسكي الرسولي. فالنسك عند القديس مارون لم يكن نزوحا الى الصحراء وانقطاعا عن عشرة الناس، بل كان نسكا منفتحا على الرسالة من أجل الخدمة والعيش معا والتفاعل مع الآخر المختلف والحرية. هكذا ظهرت "الهوية المارونية" في بداياتها وصيرورتها التاريخية وعمقها وديناميتها. ولا تزال مفتوحة على المستقبل على الرغم من ظروفها الراهنة، ومفتوحة على الآخرين في عالمها اللبناني والعربي والإنتشاري .
إن البعد النسكي السرياني الرسولي في كنيستنا يتسم بنمطين :
النمط الأفرامي، وهو عيش الصلاة الدائمة، والجذرية الإنجيلية والزهد، والشهادة للملكوت، كبعد إسكاتولوجي في قلب الكنيسة والمجتمع.
والنمط العامودي وهو عيش النسك كعلامة نبوية ونداء للمجتمع الغارق في الدنيويات. إنه محاولة إصلاح المجتمع والكنيسة بالوقوف بإزائهما، ولكن دائما فيهما وليس خارجا أو بعيدا عنهما، وهكذا تستطيع الكنيسة أن ترى أصالة دعوتها الإنجيلية وجذريتها متجلية أمامها.
هذا النمط من النسك الرسولي لا يقتصر على الداخل بل هو موجه إلى غير المسيحيين أيضا. فمارون الكاهن الناسك اختار أن يقيم منسكته على أنقاض معبد وثني، والعاموديون من بعده كانوا يتنسكون بالقرب من الطرق التي تمر عليها القوافل ليتسنى لهم تبشيرها، أو في أماكن وثنية لجذب شعوبها إلى المسيح، كما فعل إبراهيم القورشي في أعالي وادي نهر إبراهيم.
12. وعندما تكونت الجماعة المارونية بعد مجمع خلقيدونيا (451)، ابتداء من منتصف القرن الخامس، في دير مار مارون، على ضفاف العاصي، وفي أديار أخرى في المنطقة، راحت تنتظم في هذه الأديار كجماعة كنسية بروحانية القديس مارون والتقليد السرياني الأنطاكي، تحت سلطة رؤساء الأديار الذين هم أساقفة. هذا يعني أن هذه الأديار كانت على تواصل مع الدور الكنسي الذي أسند إليها من قبل الكنيسة الأنطاكية. وكان الرهبان، بعد سيامتهم الأسقفية يستمرون في الحالة الرهبانية التي اعتنقوها. وهذا يعني أن الحالة الرهبانية هي راعوية بقدر ما هي إنجيلية في منطلقاتها وأهدافها .
ولما تأسست البطريركية المارونية بانتخاب أول بطريرك بشخص القديس يوحنا مارون سنة 686، تكونت الكنيسة المارونية كجماعة ديرية كبيرة هي "رعية البطريرك" التي تمحورت حول دير الكرسي البطريركي ورأت في الجالس على هذا الكرسي "الأب والرئيس" والحافظ لوحدتها والموجه لحياتها ورسالتها . فكتاب الهدى قال في البطريرك إنه "يقيم بين شعبه الذي يخضع لقيادته الروحية والتعليمية والقضائية والطقسية والزمنية" .
وصف المكرم البطريرك أسطفان الدويهي مهمة البطريرك بأنه "يتقدم على شعبه ويتكلم عليه". يتقدم على شعبه ويتكلم باسمه، وبالتالي يحافظ على وحدته وخيره الروحي والزمني، إذ كان يمارس سلطته مستعينا بذراعين: الأساقفة الذين يرسلهم إلى الأبرشيات لخدمتها بإسمه، والمقدمين المرسومين شدايقة للاهتمام بالشؤون الزمنية بحسب توجيهاته.
كنيسة للبيئة اللبنانية والمشرقية
13 - كنيستنا المارونية، بحكم طبيعتها الأنطاكية والخلقيدونية، كنيسة تجسدت في البيئة اللبنانية والمشرقية. لقد أدخلت الرسالة المسيحية إلى الجبل اللبناني الوثني في القرن الخامس على يد تلميذين من الذين اتبعوا روحانية القديس مارون، هما سمعان العمودي الذي دخل من جهة جبة بشري، وابراهيم القورشي من جهة المنيطرة والعاقورة، فيما الساحل اللبناني اعتنق المسيحية منذ عهد الرسل. ثم حطت المارونية رحاها مع البطريرك الأول في لبنان الذي احتضن القسم الأكبر من الموارنة. وعلى أرضه كتبت تاريخها الكنسي والثقافي والسياسي والاجتماعي، حتى غدا لبنان "الوطن الروحي" لجميع الموارنة أيا كانت جنسيتهم.
كانت تؤمن كنيستنا أنها تحمل رسالة الإنجيل "وتدبير الخلاص" إلى هذه البيئة المشرقية، وأنها تفتح ثقافات شعوبها على قيم الإنجيل . وكانت تدرك أنها صاحبة رسالة محورها الإنسان وقد صاغتها من وحي إيمانها الرسولي، فسعت وناضلت على مر السنين من أجل بناء مجتمع يؤمن بكرامة الإنسان، ويحفظ حقه في الاختلاف الديني والثقافي، حماية للحرية، وصونا للحقوق السياسية الأساسية. وقد تكللت تلك المسيرة سنة 1920 بإعلان دولة لبنان الكبير، الذي أصبح جمهورية مستقلة سنة 1943 . فكان لبنان، كما قال عنه القديس البابا يوحنا بولس الثاني "أكثر من بلد. إنه رسالة حرية ونموذج في التعددية، للشرق كما للغرب" . ولم يغب عن بال كنيستنا، بحكم بعدها الرسالي، أنها ليست من أجل ذاتها، فسعت جاهدة إلى أن تظل حاضرة بإسم المسيح في بيئتها المشرقية، على الرغم من كل الصعوبات، وفاعلة كنسيا وراعويا وتربويا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا. إنها تدعو أبناءها وبناتها لتعزيز هذا الحضور الفاعل والإسهام في ترقي الإنسان في مجتمعه.
شراكة الثقافة والمصير مع المسلمين
14 - هذا المسعى حافظت عليه كنيستنا، بكثير من الجهد والتضحيات والصبر والألم، مع بعض الإنفراج والسلام، في علاقاتها مع المسلمين في العالم العربي، عبر العهود المتعاقبة من الأمويين إلى العباسيين فإلى المماليك وأخيرا إلى العثمانيين. في كل ذلك، كانت تحافظ على إيمانها الكاثوليكي واستقلاليتها ووحدتها الداخلية حماية لرسالتها. بفضل هذه الشهادة وإخلاص الموارنة في التعاون مع الحكام، وبخاصة في الإمارتين المعنية والشهابية، كانت النهضات الثقافية والاجتماعية والإنمائية والسياسية في جبل لبنان. واعتنق العديد من العائلات السنية والشيعية والدرزية الديانة المسيحية ولاسيما المارونية. وها النموذج اللبناني يقوم اليوم على شراكتين بين مسيحية ومسلمية: شراكة الثقافة لغة عربية وعروبة وحضارة، وشراكة المصير التزاما بنهائية الوطن اللبناني للجميع .
الدعوة المسكونية
15 - ولكنيستنا المارونية الرسالية دعوة مسكونية تلبي رغبة المسيح الذي صلى حتى ليلة آلامه وموته إلى أبيه السماوي من أجل تلاميذه، قبل إرسالهم إلى العالم، "ليكونوا بأجمعهم واحدا، كما أنه هو والآب واحد" فيؤمن العالم أن الآب أرسله، وأن الآب أحبهم كما أحبه" (يو17: 21و23). إن كنيستنا مؤهلة أكثر من غيرها لهذه الرسالة المسكونية، لأنها لم تعرف الإنقسام الداخلي، وظلت في حالة اتحاد مع الكرسي الرسولي الروماني، وهي على علاقة أخوية طيبة مع جميع الكنائس، وتنتمي إلى التراث الأنطاكي السرياني.
بالتزامنا المسكوني إنما نلتزم ببناء وحدة الكنيسة، وحماية جسد المسيح من التمزق. فالوحدة ضمانة نجاح الرسالة المسيحية ومصداقيتها، وهي الدليل على أن محبة المسيح هي الرابطة للوحدة. لقد أقامنا الله، في هذه البقعة المشرقية، شهودا لمحبته الظاهرة في تجسد ابنه الأزلي الوحيد. ونحن واثقون بأن شهادتنا حية وفاعلة في محيطها ما دمنا خداما حقيقيين للحقيقة في المحبة .
هذه الرسالة المسكونية تقتضي تأمين تنشئة مسكونية للإكليروس الأبرشي والرهباني وللعلمانيين، في الكليات ومعاهد اللاهوت والعلوم الدينية، ولاسيما للذين سيتولون التعليم المسيحي، وللذين سيدعون للعمل في لجان الحوار والتقارب. كما تقتضي أيضا العمل على تعزيز الحضور المسيحي الشاهد والفاعل في الشرق الأوسط، واستعادة التراث الأنطاكي المشترك بين مختلف الكنائس من أجل شد روابط التآخي والتعاون ونشر الفكر اللاهوتي والروحانية الأنطاكية .
الرسالة في بلدان الإنتشار
16 - إن كنيستنا المارونية المتجسدة أساسا في البيئة المشرقية، أصبحت اليوم متجسدة في بلدان الإنتشار بدافع من حركة الهجرة والتهجير لأسباب إقتصادية وسياسية وعدوانية . وبات من واجب أبنائها وبناتها أداء الشهادة المسيحية في عالمهم الجديد وفقا لتراثهم الأنطاكي السرياني. فلكي يتمكنوا من ذلك كان من الضرورة الحيوية تعزيز ارتباطهم بكنيستهم الأم في النطاق البطريركي التي كانت ترسل إليهم كهنة ورهبانا وراهبات، وتؤسس لهم أبرشيات، سواء في النطاق البطريركي: سوريا ومصر والسودان وقبرص والأراضي المقدسة وبلدان الخليج، أم في بلدان الغرب وسائر بلدان الإنتشار.
17 - في هذا السياق تصبح الكنيسة المارونية ذات رسالة عالمية تجعل منها "كنيسة الجسور الممدودة وملتقى الحضارات". لقد تلاقت معها، وجمعت بين ثقافة السريان وثقافة العرب، وعاشت الحوار في حياتها اليومية مع الإسلام، وحافظت على هويتها المشرقية ضمن الشركة الكاملة مع الكنيسة الرومانية، ما أفسح لها في المجال بأن تكون جسرا بين شعوب وشعوب. لقد أسهمت في تعريف الغرب على التراث المسيحي المشرقي، وفي فتح باب الحوار والتبادل والاتحاد بين الكنيسة اللاتينية وسائر الكنائس الكاثوليكية المشرقية. إن هذا البعد الرسالي أعطى الموارنة مقدرة على الثبات في إيمانهم كصمودهم من أجل الحرية في جبال لبنان، وأهلية على الحوار مع جميع الناس، حيثما وجدوا .
الفصل الثالث
واقع رسالاتنا المارونية اليوم:الإنتشار وخدمته الروحية والرعوية
18 - ينتشر الموارنة اليوم تحت كل سماء، وفي القارات الخمس. وقد بدأت هجرتهم وتهجيرهم وانتشارهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتستمر حتى أيامنا. وكانت لها محطات أساسية هي في لبنان: أحداث 1860، والحرب العالمية الأولى، ومجاعة 1914، والحرب العالمية الثانية، والحرب الأخيرة في لبنان (1975-1990)، بالإضافة إلى الأسباب الإقتصادية والمعيشية الخانقة. أما في الأراضي المقدسة وسوريا ومصر وقبرص، فلأسباب إقتصادية نتيجة الحروب والعنف والاعتداءات وعمليات الترهيب.
وكان على السلطة الكنسية المارونية الاهتمام بهم وفقا لدعوتها الرسالية ولرسالتها، بإرسال كهنة ورهبان وراهبات، وإنشاء رعايا، وزيارات رسولية، وإكسرخوسيات، وأبرشيات، بمقدار ما يتوفر لها من مرسلين ومرسلات، وما تسمح به الإدارات الرومانية والمجالس الأسقفية اللاتينية من هيكليات كنسية في مختلف البلدان . هذه الأمور أخرت وما زالت، مواكبة أبنائنا وبناتنا المنتشرين في بقاع العالم. وقد بلغوا أضعاف المقيمين ويعدون بالملايين. فاندمجوا في الكنيسة اللاتينية المحلية. وكان من بينهم أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات. وبدلوا أسماءهم وشهراتهم لتصبح قريبة تشبه أسماء العلم في البلدان المضيفة. وكثيرون ترجموا أسماء عيالهم إلى اللغات المحلية. فبات من الصعب التعرف إليهم. وآخرون يعيشون ضائعين مشتتين، ويجهلون هويتهم التاريخية المارونية. إنها خسارات كبيرة لكنيستنا وللوطن لعدم وجود قيد لنفوسهم في سجلاتنا المدنية، ولفقدانهم الجنسية اللبنانية أو جنسية البلدان المشرقية التي هجروها.
الإنتشار
19 - في النطاق البطريركي يوجد في لبنان 13 أبرشية بما فيها النيابات البطريركية الأربع في صربا وجونيه والجبه وإهدن-زغرتا التي تؤلف الأبرشية البطريركية؛ وأبرشية في قبرص (سنة 1357)، وثلاث أبرشيات في سوريا: دمشق (1525)، وحلب (القرن السابع عشر)، واللاذقية (1977). وأبرشية في مصر والسودان (1949)، والأراضي المقدسة (1996).
20 - أما في بلدان الإنتشار فيوجد تسع أبرشيات. سيدة لبنان في ساو باولو البرازيل (1971)، ومار مارون بروكلين - الولايات المتحدة الأميركية (1977)، وسيدة لبنان لوس أنجلس - الولايات المتحدة الأميركية (1994)، ومار مارون سيدني - أوستراليا (1973)، ومار مارون مونتريال - كندا (1982)، ومار شربل بونس ايرس - الأرجنتين (1990)، وسيدة شهداء لبنان مكسيكو - المكسيك (1995)، وسيدة لبنان باريس - فرنسا (2012)، وسيدة البشارة ايبادان وأفريقيا الغربية والوسطى (2018).
ويوجد إكسرخوسية كولومبيا والإكوادور والبيرو - أميركا الجنوبية. وامتداد سلطة كنسية لمطران الأرجنتين على الأوراغواي وباراغواي وبوليفيا والتشيلي. ويوجد ست زيارات رسولية: مطران المكسيك زائر رسولي على موارنة أميركا الوسطى وفنزويلا، ومطران فرنسا زائر رسولي على موارنة أوروبا الغربية والشمالية، ومطران أفريقيا الغربية والوسطى زائر رسولي على موارنة أفريقيا الجنوبية، ومطران مصر والسودان زائر رسولي على موارنة أفريقيا الشمالية، ومطران قبرص زائر رسولي على موارنة اليونان، ومطران جبيل زائر رسولي على موارنة رومانيا وبلغاريا.
21 - إننا نوجه تحية شكر وتقدير للأبرشيات التي قدمت كهنة لخدمة أبناء كنيستنا وبناتها المنتشرين، أكانوا منظمين في أبرشيات أم إكسرخوسية أم زيارات رسولية.
فأبرشية جبيل ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
نيجيريا في رعيتي إيبادان وبورت هاركوت: كاهنان.
توغو في رعية لومي: كاهن واحد.
السويد في رعية غوتمبرغ: كاهن واحد.
رومانيا في رعية بوخارست وبلغاريا: كاهن واحد.
فرنسا في رعايا نيس ونانتير ومونبليه: ثلاثة كهنة.
الولايات المتحدة الأميركية: كاهنان.
أوستراليا: كاهنان.
تونس: كاهن واحد.
روما: محكمة الروتا الرومانية، كاهن واحد قاض.
22 - نيابة صربا من الأبرشية البطريركية ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
ليبيريا في رعية مونروفيا: كاهن واحد.
بوركينا فاسو: كاهن واحد.
أكرا في رعية غانا: كاهن واحد.
كندا في رعية أوتاوا: كاهن واحد.
روما: المعهد الحبري الماروني، كاهن نائب رئيس المعهد وقيم الوكالة وخادم رعية مار مارون.
23 - نيابة الجبه من الأبرشية البطريركية ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
القدس: كاهن واحد وكيل بطريركي على "بيت مارون" التابع للبطريركية.
الولايات المتحدة الأميركية: كاهن واحد.
أوستراليا: كاهن واحد.
24 - نيابة إهدن - زغرتا من الأبرشية البطريركية ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
ألمانيا في رعية مونستر وهولندا: كاهن واحد.
الولايات المتحدة الأميركية: كاهن واحد.
25 - أبرشية صيدا ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
فرنسا في باريس: فوايه الفرنسي - اللبناني ورعية سيدة لبنان: كاهن وكيل بطريركي وخادم الرعية؛ ومنظمة AED: كاهن واحد.
الأردن في رعية مار شربل بعمان: وكيل بطريركي وخادم الرعية: كاهن واحد.
الكويت في الرعية المارونية: كاهن واحد.
أوستراليا: كاهن واحد.
كندا: كاهن واحد.
الولايات المتحد الأميريكية - لوس أنجلس: كاهن واحد.
26 - أبرشية صور ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
الولايات المتحد الأميريكية: كاهن واحد.
أوستراليا: كاهن واحد.
27 - أبرشية أنطلياس ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
أبرشية أفريقيا الغربية والوسطى: كاهن واحد.
أفريقيا الجنوبية: كاهن واحد.
فرنسا في أبرشية Ausch : كاهن واحد.
28 - أبرشية بيروت ترسل كاهنا واحدا إلى مرسيليا - فرنسا: فوايه سيدة لبنان كوكيل بطريركي وخادم الرعية.
29. أبرشية طرابلس ترسل كهنة إلى البلدان التالية:
إيطاليا في رعية ميلانو: كاهن واحد.
أبو ظبي - الإمارات المتحدة: كاهن واحد.
30 - كما نعرب عن شكرنا وتقديرنا للرهبانيات الرجالية والنسائية التي أرسلت رهبانا وراهبات إلى الرسالات. فأنشأت الأديار والرعايا والمدارس والمؤسسات الاجتماعية وتعاونت مع مطارنة الأبرشيات والزوار الرسوليين في خدمة الكنائس الرعائية والعمل الراعوي في المجالس واللجان المتنوعة.
31 - فالرهبانية اللبنانية المارونية حاضرة في أكثر من بلد:
في نيقوسيا - قبرص: دير مار الياس مطوشي (1737)، ثلاثة رهبان.
في يافا وبيت لحم - الأراضي المقدسة: دير مار أنطونيوس الكبير (1855)، أربعة رهبان.
في داكار - السنغال: رسالة ومدرسة سيدة لبنان (1949)، راهب واحد.
في مندوسا - الأرجنتين: رسالة مار يوحنا مارون (1952)، راهب واحد.
في رسالة مار شربل كامبيناس، ساو باولو - البرازيل (1954)، راهبان.
في رسالة ومدرسة قلب يسوع، أبيدجان - شاطئ العاج (1954)، راهب واحد.
في رسالة سيدة لبنان، مكسيكو - المكسيك (1960)، أربعة رهبان.
في رسالة مار مارون، توكومان - الأرجنتين (1960)، راهب واحد.
في دير ومدرسة مار شربل، سيدني - أوستراليا (1972)، سبعة رهبان.
في رسالة سيدة لبنان، لندن - انكلترا (1983)، أربعة رهبان.
في دير مار أنطونيوس الكبير، مونتريال - كندا (1984)، خمسة رهبان.
في بيت ورعية مار شربل، سورين - فرنسا (1987)، أربعة رهبان.
في دير مار شربل، كاراكاس ورعية بويرتو أورداس - فنزويلا (1994)، ثلاثة رهبان.
في دير مار شربل، بو سينيور إيزاك - بلجيكا (2010)، خمسة رهبان.
في مركز مار نعمة الله، أبن - أستراليا (2010)، ثلاثة رهبان.
32 - الرهبانية المارونية المريمية حاضرة في البلدان التالية:
في رسالة مصر (1745): رعية مار مارون والمدرسة والمستشفى في مصر الجديدة، راهبان.
في رسالة فيلا لينش، بونس ايرس - الأرجنتين: رعية ومدرسة، راهبان.
في رسالة مونتيفيديو - الأورغواي: رعية ومدرسة، راهبان.
في مركز آن آربر، ميشيغان - الولايات المتحدة الأميركية: خدمة ومؤسسة، راهبان.
في مركز رسالة سيدني - أوستراليا: راهب واحد.
في قطر: خدمة الرعية المارونية، راهب واحد.
في إذاعة الفاتيكان، القسم العربي: راهب واحد.
33 - الرهبانية الأنطونية المارونية حاضرة في البلدان التالية:
في حيفا - الأراضي المقدسة: خدمة راعوية، راهبان.
في بانياس - سوريا: دير وخدمة رعائية، راهبان.
في ليون - فرنسا: خدمة راعوية، راهب واحد.
في الفاتيكان: راهبان في مجمع الكنائس الشرقية، ومجمع التربية الكاثوليكية.
في وندسور - كندا: دير وخدمة رعائية، ثلاثة رهبان. وفي تورنتو - كندا: دير وخدمة رعائية، خمسة رهبان. وفي مونتريال - كندا: خدمة رعائية، راهب واحد.
في مينيسوتا - الولايات المتحدة الأميركية: خدمة رعائية، راهب واحد. وفي أيستون - الولايات المتحدة: خدمة رعائية، راهب واحد.
في ملبورن - أوستراليا: دير ورعية، ثلاثة رهبان.
34 - جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة حاضرة في البلدان التالية:
رسالة بونس ايريس - الأرجنتين (1901): رعية ومدرسة: ثلاثة كهنة.
رسالة جوهنسبرغ - أفريقيا الجنوبية (1927): رعيتان ومدرسة: خمسة كهنة.
رسالة ريو دي جنيرو - البرازيل (1931): رعية: كاهنان.
رسالة باراغواي: رعية، كاهن واحد.
رسالة الولايات المتحدة الأميريكية: أحد عشر كاهنا:
منهم عشرة في أبرشية سيدة لبنان، لوس أنجلس في سبع رعايا؛ وواحد في أبرشية مار مارون بروكلين في رعية يونيون تاون.
رسالة كندا: ثلاثة كهنة في ثلاث رعايا: مونتريال، وأدمنتون، ووست إيرلند (مونتريال).
رسالة غوادالاخارا - المكسيك: رعية: كاهن واحد.
رسالة غوادالوب: رعية، كاهن واحد.
رسالة أوستراليا: تسع كهنة في أربع رعايا.
رسالة ألمانيا والنمسا: ثلاثة كهنة.
35 - جمعية الراهبات الأنطونيات حاضرة في البلدان التالية:
رسالة أوستراليا: في سيدني مدرسة ثانوية ودار راحة للمسنين: ست راهبات.
رسالة كندا: في أوتاوا مدرسة ابتدائية وحضانة: خمس راهبات.
رسالة الولايات المتحدة الأميركية: في أوهايو عناية بالمسنين وعمل راعوي وتعليم مسيحي: ست راهبات.
رسالة فرنسا: في باريس بيت للطالبات: ثلاث راهبات.
رسالة قبرص: في نيقوسيا عمل راعوي: ثلاث راهبات.
36 - جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات حاضرة في البلدان التالية:
رسالة سوريا: دير العائلة المقدسة في بانياس: عمل راعوي وحضانة أطفال؛ ودير سيدة قلب يسوع في اللاذقية: عمل راعوي ودار استقبال للجامعيات: أربع راهبات.
رسالة أوستراليا في أربع رعايا: أربعة أديار ومدرستان وثانويتان، ودار حضانة ودار راحة للمسنين مع عمل راعوي: ثلاث عشرة راهبة.
رسالة الولايات المتحدة الأميركية في مدينة أورانج - لوس أنجلس: جماعة العائلة المقدسة، عمل راعوي: راهبتان.
37 - جمعية راهبات القربان الأقدس المرسلات متواجدة في بورتو اللغري - البرازيل، دار راحة للمسنين: ثلاث راهبات.
الفصل الرابع
توجيهات راعوية: شكر ورغبة
38 - إنطلاقا من دعوة كنيستنا المارونية كمرسلة ومرسلة، بات من واجب الجميع الالتزام بالرسالة بحكم المعمودية والدرجة المقدسة والنذور الرهبانية. وهذا واجبنا تجاه أبناء كنيستنا وبناتها المنتشرين تحت كل سماء. إهمالهم تبكيت ضمير لا يهدأ، وهو صوت المسيح في داخلنا الذي يكرر دعوته لإرسالنا إلى العالم كله لنشر إنجيله الخلاصي (راجع مر 15:16).
إننا نعرب عن شكرنا للكهنة والرهبان والراهبات الذين لبوا الدعوة الإلهية والتوجيه من رؤسائهم ورئيساتهن، الذين واللواتي حملوا هم الرسالة إلى عالم الإنتشار، وأرسلوهم إليها. وفي الوقت عينه نطلب ذلك من الأبرشيات والرهبانيات الغائبة أو غير المساهمة بما يكفي، كما رأينا في الفصل الثالث عن واقع رسالاتنا اليوم.
تكون كنيستنا مرسلة بمقدار ما تكون مرسلة. شأنها شأن كنيسة المسيح التي ترسل، فتدعو إلى الرسالة أشخاصا من بين أبنائها وبناتها، وتنشئهم وترافقهم بصلواتها وتنظم رسالتهم، كما يشهد كتاب أعمال الرسل. فعند إرسال بولس وبرنابا "صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيدي ثم أطلقوهما" (أعمال 3:13). ويظهر في رسائل القديس بولس دور الجماعة في مواكبة المرسلين بالصلاة وبالمساعدة المالية التي تحتاجها الرسالة. لا يحق للأبرشية وللرهبانية أن تنظر فقط إلى كفاية حاجتها من كهنة ورهبان وراهبات، ثم ترى في إمكانية المشاركة، فيما جماعات مارونية وبلدان خالية من الرسالة. إن مبدأ تقاسم المسؤولية يرفض هذا المنطق.
ولكي ندرك حجم الإنتشار الماروني، نعود إلى كتاب الدكتور جوزف لبكي: "الإنتشار الماروني في العالم"، فنجد أماكن وأعداد انتشارهم تحت كل سماء.
تساؤلات وتوصيات
39 - ثمة تساؤلات مصيرية تقلق بالنا:
كيف نحافظ عليهم من الضياع والذوبان؟ كيف يستطيعون المحافظة على تراثهم وتقاليدهم وثقافتهم وروحانيتهم التي يغنون بها مجتمعاتهم الجديدة؟ كيف نحسسهم ونضمن لهم قيد نفوسهم في وطنهم والمحافظة على جنسيتهم وحقوقهم المدنية فيها؟ كيف نحافظ على التوازن الديموغرافي القائم عليه نظامنا السياسي من دونهم؟ كيف نعزز ارتباطهم بالكنيسة الأم؟
40 - هذه التساؤلات والقضايا طرحها المجمع البطريركي الماروني الذي انعقد ما بين 2003 و 2006، بمشاركة مطارنة الإنتشار وممثلين من إكليروس وعلمانيين. فأعطى أجوبة، وترك توصيات، ووضع آليات لتنفيذها في نصه الرابع: "الكنيسة المارونية في انتشارها العالمي". كما تناول الموضوع في النص الثاني: "هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها"، عندما تناول في الفصل الخامس: "كنيسة متجسدة في بلاد الإنتشار".
فأوصى آباء المجمع الأبرشيات والرهبانيات والحركات الرسولية العلمانية الالتزام الرسالي وإرسال كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين إلى بلدان الإنتشار، حيث تدعو الحاجة، ولفترات محددة ومنظمة، وتنشئة هؤلاء على البعد الرسالي، وإدخال مادة اللاهوت الرسالي في مناهج كليات اللاهوت . ويتوسع آباء المجمع في مضامين توصيتهم في النص المجمعي الثاني المذكور.
إن الواجب الرسالي يقتضي جهوزية داخلية عند الكهنة والرهبان والراهبات، ومسؤولية لدى مطارنة الأبرشيات والرؤساء العامين والرئيسات العامات في لبنان في تنظيم الإرسال وتوجيهه وتحديد مدته، بالتعاون مع الأبرشيات المحتاجة والإكسرخوسيات والزيارات الرسولية. فهذه الهيكليات الكنسية باتت تشمل جميع البلدان التي ينتشر فيها الموارنة.
41 - ولكي يتمكن الموارنة من تأدية رسالتهم في النطاق البطريركي وبلدان الإنتشار، من الواجب أن يعرفوا تاريخهم وتراثهم الأنطاكي وإرثهم ويعززوا روحانيتهم السريانية المارونية. هذا الواجب يقتضي سعيا شخصيا وجهدا، لأن المصادر لا تنضب. كما يقتضي من السلطات الكنسية في الأبرشيات والرهبانيات، في الإكليريكيات والرعايا والأديار والمدارس والجامعات تأمين التنشئة اللازمة في هذه المواضيع، وتوفير المصادر الفضلى. إننا ننتظر الإنتهاء من إعداد "كتاب تاريخ الموارنة" الذي أوصى به المجمع البطريركي، والذي تعمل لجنة مختصة على كتابته، بحيث يكون في آن "علمي ومبسط وجذاب وفي متناول الموارنة في النطاق البطريركي ودنيا الإنتشار" .
مقتضيات الرسالة المسكونية
42 - وعلى مستوى رسالة كنيستنا المسكونية يوصي آباء المجمع السلطات الكنسية والإكليروس والشعب بالإلتزام المسكوني على المستويات الروحية واللاهوتية والراعوية والإجتماعية، وذلك من أجل تعزيز الحضور المسيحي في لبنان وبلدان الشرق الأوسط بروح الإنجيل والخدمة لكل إنسان. فكنيستنا تحتل موقعا فريدا في العائلة الأنطاكية، وفي شراكتها التامة مع الكرسي الرسولي الروماني .
إننا نحمد الله على التعاون الأخوي الوثيق في الشرق بين جميع البطاركة الكاثوليك والأرثوذكس والمجلس الإنجيلي الأعلى، ومع مجلس كنائس الشرق الأوسط.
ويدعو المجمع البطريركي كليات ومعاهد اللاهوت والعلوم الدينية إلى إعطاء دروس لاهوتية وتوفير تنشئة مسكونية بروح رسالي للإكليروس والعلمانيين، تساعدهم على وعي رسالتهم الرامية إلى خدمة الحقيقة والمحبة في محيطهم المشرقي .
مع مسلمي الشرق الأوسط
43 - أما لجهة الرسالة في عالمنا العربي والإسلامي، فلا يغيب عن بالنا أننا كنا دائما كموارنة أصحاب رسالة في محيطنا. فلا بد من الإنفتاح أكثر على العالم العربي بصدق الحرية والحقيقة والأخوة، مع ما لها من رصيد اختبار تاريخي في لبنان، حيث الشعب يخلق المجتمع والدولة، لا الأنظمة تخلق المجتمعات كما هي الحال في بلدان أخرى : لهذا السبب "لبنان هو النظام الديموقراطي الوحيد بين الأنظمة العربية الأخرى".
44 - وفيما تقوم كنيستنا برسالة الشهادة للمسيح وإعلان بشارته الخلاصية لجميع الناس، بهدف إيصال حقيقة الإنجيل، وتحويل حركة القلب نحو الله. فإنا نستعيد توجيهات المجمع البطريركي بشأن العلاقات مع الإخوة المسلمين وسواهم من أتباع الأديان الأخرى، ونختصرها بأربع:
- تقديم المعارف عن كل الأديان من أجل تثقيف الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين بما فيها من خير وحق، بتدبير إلهي.
- تأمين الشرح الموضوعي عن الإسلام وأركانه للطالب المسيحي، وللطالب المسلم الشرح الموضوعي عن المسيحية ومبادئها. ما يقتضي إدخال العلوم الإسلامية في الجامعات المسيحية، والعلوم المسيحية في الجامعات الإسلامية.
- إطلاق الحوار اللاهوتي بين المسيحية والإسلام، بانفتاح ذهن وطواعية قلب، من أجل النمو المشترك في الحقيقة. هذا الحوار ممكن فقط في لبنان بسبب نظامه السياسي المميز الذي يفصل بين الدين والدولة، وحيث الدولة تحترم جميع الأديان بمعتقداتها وشرائعها وتقاليدها.
- تعزيز الحوار بأشكاله الثلاثة: حوار الحياة، وحوار الأعمال، وحوار الإختبار الروحي الرامية إلى تعزيز العيش المشترك .
وختم اراعي: "إن أفضل ما نتأهب به للاحتفال مع قداسة البابا فرنسيس والكنيسة الجامعة بشهر تشرين الأول المقبل شهرا رساليا عالميا، الدخول في جوه عبر هذه الرسالة الراعوية العامة من جهة، واتخاذ مبادرات على مستوى الأبرشيات والرهبانيات والإكليريكيات وكليات اللاهوت ومعاهد التثقيف الديني، في ضوء هذه الرسالة، من جهة أخرى.
وأود توجيه النداء: إلى إخواني السادة المطارنة الأجلاء: إننا ندعوكم إلى تحمل مسؤولية تأمين كهنة لخدمة أبناء كنيستنا المارونية وبناتها المنتشرين في كل بقاع الأرض، بذات المسؤولية التي تؤمنون بها كهنة لرعاياكم ومؤسساتكم. فبالتعاون المشترك من الجميع نستطيع تلبية الكثير من حاجات الإنتشار الروحية والراعوية. ومن أجل نجاح هذا التعاون، ينبغي تحديد المدة التي يخدم فيها الكهنة في أبرشيات ورعايا الإنتشار، وتنظيم المداورة للقادرين والمهيئين. نأمل أن يأتي كل مطران أبرشي بمبادرات للتطبيق، أثناء دورة سينودس أساقفة كنيستنا المقدس في حزيران المقبل. مع هذا كله لا يغيب عن بالنا التعاون القائم والذي يحتاج إلى المزيد، والحاجات الراعوية عندنا.
إلى قدس الرؤساء العامين والرهبان والراهبات: نذكركم أنكم بقبول الدرجة المقدسة وبإبراز النذور الرهبانية، إلتزمتم رسالة الكنيسة ورساليتها. فلكل واحد وواحدة منكم ومعا يقول الرب يسوع: "كما أرسلني أبي، أرسلكم أنا أيضا. إذهبوا وأعلنوا إنجيلي إلى الخليقة كلها" (متى 19:28؛ مر 15:16). وفيما أحيي شاكرا كل العاملين في حقل الرسالة في بلدان الإنتشار، وأولئك الملتزمين في خدمة الرعايا والمؤسسات في لبنان والنطاق البطريركي، أدعوكم أيها الأحباء إلى الجهوزية التي تميز بها أشعيا النبي عندما لبى الدعوة الإرسالية قائلا: "ها أنذا، يا رب، إني مستعد. أرسلني" (أش 8:6).
46 - إننا نكل إلى عناية أمنا وسيدتنا مريم العذراء، سلطانة الرسل، رسالة كنيستنا المارونية ورساليتها، وكل واحد وواحدة منا. ونسألها أن تستمد لنا من الله نعمة الجهوزية التي ملأت قلبها وكيانها عندما أجابت الملاك: "ها أنا أمة الرب" (لو 35:1).