بعد إعلان "قوات سوريا الديمقراطية"،المدعومة من الولايات المتحدة، هزيمة تنظيم"داعش" الإرهابي نهائياً في الجيب الأخير من الباغوز في شرق سوريا، بعد أن سيطر سابقاً على مساحات تصل إلى ثلث العراق وسوريا، تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل هذه القوات التي تواجه الكثير من التحدّيات، أبرزها التهديدات التركيّة المستمرة، بالإضافة إلى رغبة الحكومة السوريّة في إستعادة السيطرة على كامل أراضيها.
في هذا الإطار، كانت لافتة الرسائل التي وجّهتها "قسد"، مباشرة بعد إعلان الإنتصار العسكري على "داعش"، إلى كل من أنقرة ودمشق معاً، حيث دعت الأولى إلى الخروج من كامل الأراضي السوريّة، والثانية إلى الاعتراف بالإدارة التي أقامتها في مناطق خاضعة لسيطرتها.
في هذا السيّاق، كان التحدّي الأبرز الذي واجهته هذه القوات، في الفترة السابقة، الإعلان الأميركي عن الرغبة في سحب القوات العسكريّة من سوريا، قبل أن تعود واشنطن للتراجع عن هذه الخطوة لاحقاً، حيث تم الإعلان عن إبقاء مجموعات صغيرة، بهدف تشجيع باقي أعضاء التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب على إتخاذ خطوات مماثلة، الأمر الذي أراح الأكراد، بحسب ما تؤكّد مصادر متابعة عبر "النشرة"، نظراً إلى أن الإنسحاب الأميركي كان من الممكن أن يكون مقدمة لغزو تركي للمناطق التي تسيطر عليها "قسد".
وتشير هذه المصادر إلى أن الأكراد يدركون جيداً أن لا مستقبل لمشروعهم السياسي من دون الدعم الأميركي، نظراً إلى أن ما يحمله يتناقض مع توجهات العديد من القوى الإقليميّة الفاعلة في الأحداث السوريّة، أبرزها تركيا وإيران، بالإضافة إلى الخلاف مع دمشق حوله، التي كانت قد أعلنت أنها ستستعيد كامل الأراضي بالحوار أو بالقوّة، مع العلم أنهم باتوا يحظون بدعم العديد من الجهات العربيّة، خصوصاً الخليجيّة، التي باتت تنظر إلى أهميّة القوّة التي يمثّلونها في مواجهة تركيا.
في هذا الإطار، تلفت المصادر نفسها إلى أن الإنتصار العسكري على "داعش"، الذي أعلنته "قسد"، لا يعني إنتهاء المهمات العسكرية التي لديها، لا سيّما وان على رأس قائمة أولوياتها مكافحة خطر الخلايا النائمة للتنظيم الإرهابي، والقادرة على القيام بالكثير من العمليات الأمنيّة في المناطق التي تسيطر عليها تلك القوات، من خلال عمليات التمشيط التي تنوي القيام بها في الأيام المقبلة، والتي من المتوقع أن تستمر أشهراً.
بالتزامن لدى "قسد" مهمة صعبة أخرى، تكمن في إقناع الدول الغربيّة في إستعادة مواطنيها الذين كانوا يقاتلون في صفوف "داعش"، نظراً إلى أن الخطر الذي يشكله هؤلاء، حيث تدعو لإنشاء محكمة دوليّة خاصة لمحاكمة هؤلاء، من دون تجاهل إستمرار التهديدات التركيّة بشكل شبه يومي، بينما هي قد تكون في طور الإستعداد لإطلاق معركة عسكريّة لتحرير عفرين، التي كانت أنقرة قد طردتها منها في وقت سابق، مع العلم أنّ الولايات المتّحدة لن تكون إلى جانبها في أيّ مواجهة من هذا النوع.
من وجهة نظر مصادر كرديّة متابعة لهذا الملف، الأساس اليوم هو الإنتهاء من ملفّ الخلايا الأمنيّة النائمة التابعة لـ"داعش"، نظراً إلى أن التنظيم يملك المئات من المقاتلين القادرين على التحرك في أيّ وقت، وتشير إلى أن لباقي الملفّات الأولوية اليوم لمعالجتها بالحوار، ومن هنا كانت دعوة أنقرة ودمشق للحوار، الذي يجب أن يقوم على أساس الإعتراف بالحقوق، نظراً إلى أنه لا يمكن تجاهل التضحيات التي قدمت على هذا الصعيد.
وتوضح المصادر نفسها، عبر "النشرة"، أن "قسد" لا تطمح إلى خوض المزيد من المعارك العسكريّة، باستثناء تلك المتعلّقة بالحرب على الإرهاب، إلا أن هذا لا يعني عدم إستعدادها للدفاع عن نفسها في حال تعرضت لأيّ إعتداء من جهة، بغضّ النظر عن موقف قوات التحالف الدولي، التي قد لا تكون داعمة لها في هكذا مواجهات.
في المحصلة، تدرك "قوات سوريا الديمقراطية" أنها، بعد إعلان الإنتصار العسكري على "داعش"، دخلت في مرحلة جديدة من العمل، عنوانها الإستثمار في الإنتصارات التي تحققت سياسياً، في ظل تداخل الكثير من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية.