من دون مناسبة محدّدة، إختار أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله أن يطل بكلمة تلفزيونيّة في لحظة مصيريّة على مستوى لبنان والمنطقة، لا سيما بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعتراف بالسيادة الإسرائيليّة على الجولان السوري المحتلّ، بالإضافة إلى الزيّارة الأخيرة لوزير خارجيّته مايك بومبيو إلى لبنان، وما تضمّنته من رسائل عالية السقف تجاه الحزب.
وقد كان أمين عام الحزب واضحاً أن هذه الكلمة كانت مخصّصة للرد على بومبيو، إلا أن إعلان ترامب دفعه إلى التعليق على هذا الحدث، نظراً إلى الخطر الذي يشكّله، الذي رأى فيه أولاً دلالة على الإستهانة والإستهتار بالعالمين العربي والإسلامي، وبالقانون والقرارات والمؤسّسات والمجتمع والإجماع الدولي من أجل إسرائيل، ما يؤشر أنّ الإدارة الأميركية تستخدم المؤسّسات والعناوين الدوليّة بقدر ما تخدم مصالحها وسياساتها، ويؤكّد أنّ تلك المؤسسات غير قادرة على حماية أيّ حق من حقوق الشعوب.
إنطلاقاً من ذلك، اعتبر السيد نصرالله أن ما حصل يؤكد أن الأولويّة المطلقة، بالنسبة للولايات المتحدة، هي لإسرائيل، وبالتالي لا يمكن أن تكون راعياً أو وسيطاً في عمليّة السلام في المنطقة، بعد أن وجّهت ضربة قاضية لها، حيث بات من المتوقّع أن يخرج ترامب، في المستقبل، ليعترف بالسيّادة الإسرائيليّة على الضفّة الغربيّة، داعياً إلى أن يكون الردّ العربي، عبر القمّة العربيّة المقبلة في تونس، عبر سحب المبادرة العربية للسلام عن الطاولة والعودة إلى نقطة الصفر، ليشدّد على أن الخيار الوحيد، بعد تجربتي القدس والجولان، لإستعادة الأراضي العربيّة المحتلة هو خيار المقاومة.
في الشق الثاني من الخطاب، المتعلق بزيارة بومبيو، كان واضحاً ما يريد أمين عام "حزب الله" التأكيد عليه، من خلال العنوان الذي إختاره لكلمته: "سيبقى لبنان سيداً مقاوماً منتصراً"، في مؤشّر على أن الحزب لم يتأثّر بما تضمنته مواقفه، بل على العكس هو واثق من هويّة لبنان المستقبليّة وإنتصاره، خصوصاً بعد تأكيده أنّ ما حصل في الشكل لا يزعج الحزب بل يسعده.
أما في المضمون، فقد كان السيّد نصرالله واضحاً في رفضه تسخيف ما ورد في مواقف وزير الخارجية الأميركي، لأنّ واشنطن تخوض معركة لمصلحة إسرائيل في كل الساحات والميادين، ومن جملتها لبنان، لا سيما أن بومبيو لم يأتِ على ذكر تل أبيب بكلمة، مكتفياً بالقول أن "حزب الله" هو مشكلة لبنان.
وقد كان لافتاً أن أمين عام الحزب قرّر تفنيد الإتّهامات التي وجّهها بومبيو، لتوضيح الصورة أمام الرأي العام اللبناني الذي سعى إلى تحريضه على الحزب، مؤكداً أن "حزب الله" جزءاً من قوى تعلق عليها الأمال لتحقيق أحلام اللبنانيين، على عكس ما قاله وزير الخارجية الأميركية، وأن من وضع الشعب اللبنانيين في خطر هو إسرائيل، التي ترعاها الولايات المتحدة.
ونظراً لمخاطر الإتهامات التي ساقها بومبيو، كان واضحاً السيد نصرالله في رفض تهمة ترهيب الناخبين، بالتأكيد أنها معطيات قُدّمت من "خونة" في حال قدمت من لبنانيين، أو أنّ أجهزة الولايات المتحدة تجمع معلومات خاطئة، راداً التهم التي وجهها إلى الحزب بنشر الدمار في المنطقة إلى واشنطن، ومؤكداً أنّه ذهب إلى سوريا للدفاع عن سوريا وحماية كل لبنان لا البقاع والجنوب فقط.
وأمام هذا الواقع، كانت رسالة أمين عام "حزب الله" واضحة بالدعوة إلى الإستفادة من تجارب الماضي، والحفاظ على السلك الأهلي والعيش المشترك، وبعدم السماح لا لشياطين صغار أو كبار باللعب في التفاصيل الداخليّة أو إحداث فتنة، بعد توجيه الشكر إلى كل القوى السياسيّة على المواقف التي اتخذتها خلال هذه الزيارة.