يحاول رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضبط إيقاع الأيام الفاصلة عن استحقاق الانتخابات العامة لـ"الكنيست" في 9 نيسان المقبل، والتي انطلقت مساء أمس (الأربعاء)، في 77 دولة حول العالم، فيها 96 ممثلية دبلوماسية إسرائيلية، استهلالاً في ولينغتون، عاصمة نيوزيلندا، التي كانت قد شهدت جريمة في مسجدين قبل أسبوعين، ذهب ضحيتها 50 مصلياً ومثلهم جرحى، لتحمل رسالة لها الكثير من الدلالات بتشجيع التطرف.
ويسعى نتنياهو إلى كسب أصوات الناخب الإسرائيلي لصالح حزب "الليكود"، الذي يترأسه، والفوز بأكبر عدد من المقاعد، تجعله أكثر راحة في تشكيل الحكومة، فيعمل على تجميع ما يُمكن من أوراق داخلية وإقليمية ودولية.
ونتنياهو، اليهودي من نيويورك، المدعوم من "الايباك" (إحدى منظّمات اللوبي اليهودي)، مطمئن
إلى الدعم المطلق من رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، بل قيادته لحملته الانتخابية، وإغداق الهدايا عليه بالاعتراف بالقدس الموحّدة عاصمة للكيان الإسرائيلي، وضم الجولان السوري المحتل إلى "دولة إسرائيل اليهودية"، وهذه الرشاوى الانتخابية، هي مكتسبات للاحتلال، لن يلاحق بها نتنياهو في المحاكم، التي توجّه إليه تهم الفساد والرشاوى، بل سيحاكمه عليها الأحرار في العالم.
هذا مع تزايد الخطورة من احتمال إعلان ترامب - بعد الانتخابات الإسرائيلية - ضم الضفّة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي، والاعتراف بدويلة في غزّة، ولاحقاً ضم مزارع شبعا اللبنانية المحتلة إلى الكيان الإسرائيلي.
هذه المكتسبات - لم يسبق نتنياهو عليها أحد من رؤساء الحكومات الإسرائيليين، ولا أحد من الرؤساء الأميركيين - يريدها رسالة للناخب الإسرائيلي بأنّه وحده المدعوم دولياً، والذي بإمكانه ترجمة هذا الدعم إلى حقائق، وحتى عقد الصفقات والتسويات، أو إلغاء الاتفاقات والضرب عرض الحائط بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي لا تخدم اليهود.
وفي هذا الإطار، تأتي حالة الترقّب الحذرة مع قطاع غزّة، بعد التصعيد الإسرائيلي يومي الإثنين والثلاثاء، وشن طائراته الحربية غارات على القطاع، ورد المقاومة بإطلاق صواريخ سقط أحدها شمال مدينة تل أبيب، وعدد في مستوطنات غلاف غزّة.
وبات واضحاً أنّ ما حصل بقي "مضبوطاً"، وأنّ الاحتلال خرق ما تمّ التوصّل إليه من تهدئة بجهود مصرية، للإيحاء بأنّه هو صاحب القرار في تحديد ضوابط هذه التهدئة - أي هدوء مقابل هدوء - هو بحاجة إليها في مرحلة دقيقة تسبق إجراء الانتخابات، وأي تطوّرات تؤثّر على مزاج نسبة من الناخبين، تحسم قرارها في اللحظات الأخيرة.
ويواصل الوفد الأمني المصري جهوده من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، وهو برئاسة مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية اللواء أحمد عبد الخالق، وبرفقته وكيل وزارة المخابرات العميد أحمد فاروق والعميد محمّد طوصن.
وقد أنهى الوفد لقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين في تل أبيب، وسلّمهم مطالب مسيرات العودة التي حملها من الفصائل الفلسطينية، وتتمثّل بـ: رفع الحصار وفتح المعابر، إلزام الاحتلال بالهدوء كمطلب أوّلي، ومن ثم يمكن مناقشة الأمور التي تتعلّق بالمقاومة، والتي تحافظ على الهدوء، ويقتصر ردّها على التصعيد الإسرائيلي.
وانتقل الوفد المصري ليل أمس (الأربعاء) إلى قطاع غزّة عبر معبر بيت حانون "إريز"، حيث سيلتقي قيادة "حماس"، في مقر رئيس الحركة في غزّة يحيى السنوار، وسيعاين مكتب رئيس حركة "حماس" الدكتور اسماعيل هنية، الذي دُمّر خلال القصف الإسرائيلي مساء الإثنين الماضي، كما
سيلتقي الوفد بقيادة الفصائل الفسطينية في القطاع لتسليمهم "مذكرة تفاهم" تتضمّن "هدنة مع الاحتلال لمدّة عام".
هذا في وقت، تتّجه فيه الأنظار إلى مسيرة العودة المليونية التي تنظّمها "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار" على طول الحدود الجنوبية لقطاع غزّة، يوم السبت المقبل في 30 آذار الجاري، لمناسبة اختتام مسيرات العودة وكسر الحصار لعامها الأوّل، حيث سقط خلاله 274 شهيداً وأكثر من 29 ألف جريح برصاص "قنص" الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين، وأيضاً لمناسبة الذكرى الـ43 ليوم الأرض.
وخشية من أي تطوّرات، دفعت قوّات الاحتلال بتعزيزاتها إلى حدود قطاع غزّة، بما فيها من قوّات الاحتياط، مزوّدة بـ"قناصة" ومدرّعات وجرّافات، قامت برفع سواتر ترابية خاصة في محيط موقع 16 العسكري - شرق بيت حانون.
وسُجّل ليل أمس، تواصل فعاليات الإرباك الليلي على طول الحدود الشرقية لقطاع غزّة، قرب السياج الأمني، حيث أشعل الشبان الإطارات المطاطية، وهو ما تزامن مع تحليق طائرات مروحية للاحتلال في أجواء القطاع.
إلى ذلك، عادت أمس (الأربعاء) الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزّة، بعد تصعيد اليومين الماضيين،
لكن مع ترقّب حذر، حيث فتحت المؤسّسات والمحال التجارية أبوابها، وعاد الطلاب إلى مدارسهم.
فيما استمر الاحتلال بإقفال معبر "كرم أبو سالم" التجاري، مانعاً إدخال أو خروج البضائع، ومعبر "إريز" بمنع دخول أو خروج المواطنين، مع منع إبحار الصيادين للصيد في بحر غزّة، حتى ضمن المساحات المسموح بها.
في غضون ذلك، شهدت العديد من مناطق الضفّة الغربية مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، حيث هاجمت قوّات الاحتلال طلاب جامعة بيرزيت، عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة في الضفّة الغربية، الذين انطلقوا في مسيرة دعت إليها الحركة الطلابية في الجامعة، دعماً للأسرى الذين يتعرّضون لقمع إدارة السجون الإسرائيلية، واحتجاجاً على اقتحام قوّات الاحتلال حرم الجامعة أمس الأوّل، واعتقال 3 من طلابها.
وأطلق جنود الاحتلال قنابل الصوت والغاز المسيّل للدموع والرصاص المعدني والمغلّف بالمطاط، ما أدّى إلى إصابة 8 شبان بالرصاص المعدني والعشرات بالاختناق.
ولم يستثنِ جنود الاحتلال الطواقم الطبية والصحفية، التي تواجدت في المكان من هجومهم.
ورفع المتظاهرون العلم الفلسطيني، وهاجموا الجيبات العسكرية بالـ"مولوتوف"، ما أدّى إلى إصابة جندي إسرائيلي في يده.
وكانت إدارة "مصلحة السجون" الإسرائيلية قد أقدمت على محاكمة أسرى "قسم 22" في "سجن النقب" الصحراوي، في ساحة السجن، فارضة عليهم غرامات مالية باهظة مع منع زيارة ذويهم لهم، بعد التحرّك الذي نفّذوه والمواجهات التي وقعت مع السجانين.
إلى ذلك، شيّعت جماهير محافظة بيت لحم، أمس (الأربعاء) جثمان الشهيد المسعف ساجد عبد الحكيم مزهر (17 عاماً)، من مخيّم الدهيشة - جنوب بيت لحم، إلى مثواه الأخير في مقبرة الشهداء في قرية أرطاس - جنوب المحافظة.
ويعمل مزهر مسعفاً متطوّعاً في "جمعية الإغاثة الطبية"، واستشهد متأثّراً بإصابته برصاص قوّات الاحتلال صباح أمس، خلال إسعافه المصابين في مواجهات مع قوّات الاحتلال بعد اقتحامها المخيّم.
انطلق موكب التشييع من أمام "مستشفى بيت جالا الحكومي"، مروراً بشارع القدس - الخليل، وصولاً إلى منزل والده، حيث أُلقيت عليه نظرة الوداع الأخيرة، بعدها إلى "مدرسة ذكور الدهيشة"، حيث أُقيمت صلاة الجنازة، قبل أنْ يوارى الثرى.