بدأت بعض الدوائر والاوساط السياسية، منذ أيام، يتخوّف على مستقبل «حكومة الى العمل»، الى درجة انّ هذا البعض يهمس باحتمال ان يقصر عمرها على عكس التوقعات في انها ستعيش الى سنة 2022، وهي سنة الاستحقاقات الانتخابية النيابية والبلدية والرئاسية.
فالحكومة ما تزال خطواتها متعثرة، على رغم من انّ المناخ السياسي لا يشي باحتمال حدوث اي صدامات بين الافرقاء السياسيين الذين توافقوا على التشكيلة الوزراية على قاعدة «رابح ـ رابح»، ولم ينبرِ اي منهم الى الرفض او الاعتراض في اللحظة الحاسمة لولادة الحكومة التي تأخرت نحو 9 أشهر.
ويقول احد السياسيين انّ ردود الفعل الاولى على طرح معالجة حسابات الدولة منذ العام 1993 وما رافقه من حديث عن مبلغ الـ 11 مليار دولار «الضائع» او الذي «لم يُعثر على قيود له» حسب ما يؤكد البعض، دلّت الى انّ مقاربة مغارة الفساد في البلد دونها الكثير من المطبات، ناهيك بمحاولات البعض تطييفها ومذهبتها، بما يؤذي الطوائف والمذاهب التي إن وجد فيها شخص مرتكب او فاسد فهذا لا يعني انّ جميع أبنائها مرتكبون وفاسدون، فيما الواقع هو انّ الفساد لا دين له ولا طائفة ولا مذهب.
ولذلك، يقول نواب، انّ مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة الجارية ومعها ملف الحسابات المالية العامة سيشكلان الامتحان الحقيقي للحكومة لإخراج المال العام من دوامة الهدر والفساد الى آفاق الإنفاق المجدي والبعيد عن السرقة والهدر بكل وجوهه، بحيث تكون للدولة بعد الآن موازنات وحسابات شفافة، خصوصاً انّ البلاد التي دخلت نادي الدول النفطية تستعد، ولو بعد حين، للاستفادة مالياً واقتصادياً من هذا القطاع وتحقيق تنمية مستدامة في طول البلاد وعرضها، فضلاً عن البدء بسداد أصل الدين العام وليس خدمته التي تكبر سنة بعد سنة فقط.
ومن المؤشرات التي اثارت القلق على الحكومة كان تأجيل جلسة مجلس الوزراء وقبلها تأجيل اجتماعات اللجنة الوزارية لخطة الكهرباء، على رغم من انّ السبب كان الوعكة الصحية المفاجئة التي ألمّت برئيس الحكومة سعد الحريري، إذ كان المطلوب من هذه اللجنة ان تنجز مهمتها خلال مهلة اسبوع بدأت إثر جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وهي مهلة حدّدها لها رئيس الجمهورية ميشال عون وأصرّ عليها بحيث تنجز مهمتها وتعود بالخطة الكهربائية «كاملة مكملة» الى جلسة مجلس الوزراء الذي كانت مقررة هذا الاسبوع، ولكنها تأجلت هي الاخرى للسبب نفسه. وقد طاول التأجيل أيضاً اول جلسة يعقدها مجلس النواب لمساءلة الحكومة التي كانت ستمثل أمام المجلس لتوجه اليها مجموعة من الأسئلة النيابية حول عدد من القضايا، فتجيب عنها.
أصحاب النيات الحسنة لا يبدون اي قلق من هذا التأجيل «الإضطراري والقسري» ويتوقعون ان تقر خطة الكهرباء الاسبوع المقبل حداً أقصى بعد ان يكون الحريري قد استعاد عافيته وأنجز واللجنة المختصة درس هذه الخطة.
وكذلك يتوقعون انعقاد الجلسة النيابية لمساءلة الحكومة، ولا يعتقدون انّ خلف التأجيل اي نيات مبيتة لدى هذا الفريق او ذاك، لأنّ الاوضاع التي آلت اليها البلاد اقتصادياً ومالياً ومعيشياً لم تعد تتيح ترف التأخير أو الانتظار، لأنّ الهيكل مهدد بالسقوط على رؤوس الجميع في حال استمر الهدر والفساد.
لكنّ فريقاً آخر من السياسيين تساوره شكوك وخشية من ان يكون «وراء الأكمة ما وراءها»، بمعنى انّ توعّك الحريري قد افاد بعض الافرقاء في التأجيل، خصوصاً انّ بعضهم يسيرون بتردد في الملف الكهربائي بحيث انهم يتقدمون خطوة الى الامام ويرجعون خطوات الى الوراء لأنهم ما زالوا يتمسكون بخططهم غير مقتنعين، بل يرفضون تعديلها لاعتقادهم بأنها «الأفضل».
ولذا، فإنّ المواقف من ملف الكهرباء لم تتّضح بعد، خصوصاً في ظل إصرار البعض على الاستمرار في الاستعانة بالبواخر الى وقت طويل فيما المطلوب الاسراع في بناء معامل توليد جديدة ومتطورة، خصوصاً انّ هناك وعداً قطعته الحكومة وكل الطاقم الحاكم بأن تؤمّن الكهرباء للبنانيين 24/24 كحد أدنى من الانجازات الكثيرة التي يطلبها اللبنانيون لتخفيف الازمات عن كواهلهم.
ولذلك، يؤكد مصدر نيابي انّ ملف الكهرباء الذي يشكل التحدي الاول للحكومة ما زال حتى الآن في دوامة الخلافات بين «التيار الوطني الحر» وبين بعض القوى السياسية، وخصوصا «حزب الله» و«القوات اللبنانية»، اللذين يصرّان على معالجة ناجعة للكهرباء عبر مناقصات شفافة وبعيداً من سياسة الاعتماد على البواخر التي يمكن بتكليفها بناء معامل لتوليد الكهرباء بما يؤمّن التغذية الكهربائية الدائمة المطلوبة.
والواقع انّ معالجة الملف الكهربائي هي الاختبار الحقيقي لقدرة الحكومة على الانجاز والايفاء بما وعدت به في بيانها الوزاري، فإذا لم تنجح فيه فإنها، في رأي كثيرين، لن تنجح في معالجة الملفات الاخرى وما أكثرها، علماً انّ الاوضاع الاقتصادية والمالية المأزومة ستزيد في الطين بلّة هي الاخرى في حال لم تعالج وفق رؤية مؤتمر «سيدر» الواعدة بقرارات ستتخذها الحكومة لن تكون شعبية حتى تتمكن من الافادة من القروض البالغة 11 مليار دولار، والتي يعوّل عليها تمكين البلاد من تجاوز المرحلة الى آفاق انفراج ينتظر البعض أن يبدأ بعدها.
ويعتقد نواب انّ الحكومة سترحل اذا هي فشلت في ملف الكهرباء، وكذلك في وضع حد للهدر والفساد بما يضع البلاد على طريق المعالجة الفعلية للأزمات المالية والاقتصادية. فملفات الفساد كثيرة ومتشعبة لدى الجهات التي قررت التصدي لهذا الفساد، والقرار السياسي الجامع هو المطلوب، فإذا لم يتوافر هذا القرار وذهب الفاسدون الى الاحتماء بأحضان الطوائف سيكون من العبث الوصول الى الاصلاح الحقيقي الذي يحفظ المال العام الذي هو «مال وقفي» عند كل الاديان السماوية، يحرّم شرعاً على اي شخص أو جهة المساس به كونه مال ينتفع به الجميع وليس مالاً خاصاً، لكن الحال في لبنان هي غير ذلك منذ الاستقلال إن لم يكن منذ ما قبله.... سطو دائم على المال العام وفساد «من فوق الى تحت ومن تحت الى فوق»، الّا ما يندر في بعض العهود والعصور...
الجميع ينادون الآن بمكافحة الفساد... ولكن من سيبقون في الغربال سيكونون قلّة... ولكن هل تغلب الفئة القليلة الفئة الكبيرة؟... إنّ غداً لناظره قريب.