لفتت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ورئيسة المجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية كلودين عون روكز، عارضةً أهمّ مراحل مسيرتها المهنيّة وأبرز التحديات الّتي واجهتها، إلى أنّ "منذ عمر الـ11 سنة، كانت لدي فكرة واضحة عن مستقبلي المهني، إذ كنت أعشق الهندسة الداخلية، وأعشق تحويل المساحات القبيحة إلى مساحات جميلة يحلو فيها العيش. وأدركت الآن أنّ حلمي هذا كان نتيجة الساعات والليالي والأيام الّتي قضيتها في الملاجئ الباردة والرطبة خلال الحرب اللبنانية. لكن الحياة اختارت نيابة عنّي وأخذتني إلى اتجاه آخر".
ونوّهت خلال مشاركتها في حفل إطلاق جائزة مؤسسة "إيناس للجوائز الأكاديمية" بعنوان "IAAF AWARDS" تحت شعار "تجرأ تحلم- DARE TO DREAM"، في جامعة سيدة اللويزة، عن أفضل مشروع طالبي مبتكر وريادي قابل للتطبيق، إلى "أنّني كنت أبلغ سن الـ18 سنة عندما نُفينا إلى الخارج، وكانت السنة الدراسية قد بدأت حينها، فخسرنا سنة من حياتنا التعليمية"، مبيّنةً أنّ "لأسباب مادية أيضًا، وبسبب مصادرة كلّ ممتلكاتنا وأموالنا بعد النفي، لم نستطع الدخول إلى الجامعات الخاصة الّتي تدرّس الهندسة الداخلية. وبما أنّ الدولة الفرنسية أخذت على عاتقها تعليمنا، أجبرت مع شقيقتي على اختيار واحد من الاختصاصات الّتي تدرس في "جامعة السوربون". فلم يبقَ لي إلّا خيار التوجّه إلى اختصاص الثقافة والتواصل، وحزت بعدها على ماجستير في الدراسات السمعية والبصرية".
وركّزت روكز على أنّ "هذا الأمر كان صعبًا بالنسبة لي لأنّ مسار حياتي لم يكن من اختياري، وعانيت كثيرًا خلال سنوات الدراسة الجامعية، ولم أكن أحبّ كلّ المواد، لكنّني اليوم أدرك أهميّتها والشغف الّذي أعطتني إياه، للسعي لكلّ ما هو خيّر وجميل، كما غيّرت بعض المواد نظرتي لأمور كثيرة ولمقاربتي لمختلف الأديان".
وذكرت "أنّني حين دخلت عالم السينما، جذبني موضوع صورة النساء في السينما الفرنسية في الخمسينات، أي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اضطررت لقراءة تاريخ فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وبعدها. وهنا اكتشفت مدى الإجحاف بحقّ المرأة وعدم المساواة بينها وبين الرجل، وكم كان المجتمع ذكوريًّا، ومدى محدودية الصورة النمطية المعطاة للمرأة، والمسؤولية الكبيرة التي كانت ملقاة على عاتقها خلال الحرب".
وشدّدت على أنّ "هنا بدأت أهتمّ أكثر بموضوع حقوق الإنسان، وبدأ نضالي لتحقيق العدالة الاجتماعية انطلاقًا من تجربتي الشخصية المليئة بالظلم. وبعد شهادة "الماجستير"، تزوّجت وعدت إلى لبنان، ورزقت بثلاثة أولاد خلال ثلاث سنوات، وبقيت 7 سنوات أهتم فقط بتربية الأولاد، وهي أهم مهنة في الحياة والأقل اعترافاً من قبل الدولة والمجتمع".
وكما أشارت روكز إلى أنّ "خلال هذه الفترة، عملت في مختلف المهن المعروفة، من القيام بدور الوساطة إلى محاسِبة وسائقة ومعلمة ومتخصّصة في التنظيف وتزيين المنزل وتنظيم مآدب الغذاء والعشاء، ومصمّمة أزياء للعائلة وعالمة نفس، وممرضة ومرشدة اجتماعية... والفرق الوحيد بيني وبين موظفي هذه الوظائف، هو أنّني كنت أعمل بدون مقابل، بل بالعكس، كان المجتمع يشعرني أنني من دون فائدة (امرأة في البيت)".
وأكّدت أنّ "بعد طلاقي، أدركت أهمية أن تكون المرأة مستقلة ماديًّا، لأنّها لا يمكن أن تضمن مستقبلها. ومن هنا يأتي اهتمامي في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اليوم، بتمكين النساء اقتصاديًّا وتشجيعهن للدخول في القوى العاملة. ومن جهة أخرى ساعدتني إدارة شؤون عائلتي على إدارة شركتي التي أسستها فيما بعد".
وأفادت بأنّ "عام 2005، عاد أبي من فرنسا واستلمت إدارة مكتبه لأربع سنوات، وشكّل هذا المنصب امتدادًا لالتزامي ونشاطي السياسي. تعلّمت الكثير في الحياة السياسية، وها أنا اليوم أتابع هذا الالتزام من خلال عملي في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اليوم، وسعي لتعديل القوانين كافّة المجحفة بحقّ النساء". ولفتت إلى أنّ "عام 2009، وبسبب إرادتي القوية لكي أكون مستقلّة ماديًّا وحاجة عائلتي لمدخول مادي أكبر، وبعد النجاح الّذي حقّقته الحملة الإعلانية للانتخابات النيابية الّتي تطوّعت لإدارتها لـ"التيار الوطني الحر" حينها ، اكتشفت قدراتي وقرّرت أن أستخدم ما تعلمته في فرنسا إلى جانب خبرتي في مشروع ما، فأسّست شركتي الخاصة".
إلى ذلك، ركّزت على أنّ "التحديات كانت كبيرة جدًّا لكي أنجح وأثبت قدرتي على العمل في شركتي مع جميع الجهات والألوان السياسية، وأحافظ على مصداقيتي بالرغم من انتمائي لجهة سياسية معينة. وكان التحدي الأكبر، العمل بمهنية مطلقة والفصل بين شركتي الخاصة وعملي وانتمائي السياسي. وهذا ما وصلت إليه اليوم، إذ تقدم شركتي خدمات الإعلان والتواصل لأكثر من 100 شركة من مختلف الجهات والانتماءات".
وأعلنت روكز أنّ "بعدها، أتيحت لي فرصة تولّي رئاسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، لأعبّر عن قناعاتي الّتي كوّنتها من خلال تجربتي في الحياة التي شاركتكم بقسم منها". وتوجّهت إلى الطلاب بالقول: ما زلتم اليوم في بداية الطريق، تتعلّمون المهنة الّتي اخترتموها في الحياة، ومن الممكن أن تغيروا رأيكم وتكتشفوا أنّها ليست الخيار الأمثل، كما يمكن أن تكون مسيرتكم المهنية مشابهة لمسيرتي".
وبيّنت أنّ "أحيانًا، تكون الحياة هي الّتي توجّهكم وليس أنتم من تختارون مستقبلكم، لكن في الحالتين، هناك دائمًا طريق تسلكونه لتعبّروا عن أنفسكم وعن شخصيّتكم. فالنضال في سبيل هدف أو قضية معيّنة هو خيار يتّخذه الإنسان"، مشدّدةً على "أنّني أدعوكم إلى العمل والكد والتعب للوصول إلى ما تطمحون إليه، فالأحلام لا تتحقّق بسهولة، ولا بسرعة كما يتمنّى جيل الشباب، وتبقى القناعة هي الكنز الّذي لا يفنى. استمتعوا بحياتكم ولا تخافوا الصعوبات بل واجهوها مهما كان نوعها، ولا تيأسوا مهما تعثّرت مسيرتكم".
وذكرت "أنّني لم أقرّر مجال اختصاصي ولا مكان إقامتي ولا أحداث حياتي، لكنيّ تأقلمت مع نمط الحياة الذي فرض علّي، وأثبتّ نفسي وقدراتي بالرغم من كلّ شيء".