يُشكّل إحياء الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة وكسر الحصار على حدود قطاع غزّة والـ43 لـ"يوم الأرض" اليوم (السبت)، حدّاً فاصلاً بين التصعيد، وتثبيت التهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل والقوى الفلسطينية في القطاع، لأنّ الحديث هو عن تهدئة مقابلة تهدئة - أي اللاسلم واللاحرب!.
يبذل الوفد الأمني المصري، برئاسة مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية اللواء أحمد عبد الخالق، جهوداً مكثّفة في سباق مع الوقت بين الاحتلال والفصائل في القطاع، في ظل محاولات لتحسين كل طرف شروطه، بحسابات متعدّدة يريد أنْ يُظهِر فيها بأنّه المنتصر.
يسعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الاستفادة أكثر من أصوات الناخب الإسرائيلي في صندوقة الاقتراع لصالح حزب "الليكود"، من خلال الإيحاء بأنّه سجّل مكسباً جديداً بوقف التهديد من غزّة، دون خوض حرب عسكرية أو تقديم تنازلات، وهو ما يتربّص به منافسوه في الانتخابات باتهامه بالعجز عن الرد على إطلاق صواريخ من القطاع.
يدرك نتنياهو أنّه يعمل على التهدئة مقابل التهدئة، تمريراً لمرحلة يُراكم فيها المكتسبات، التي لن يكون فيها اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان إلا جائزة ترضية، مما ينتظره من الجوائز الأكبر في "صفقة القرن"، لتشمل ضم الضفّة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي بعد فصلها عن قطاع غزّة.
في المقابل، فإنّ الفصائل الفلسطينية في قطاع غزّة، تسعى إلى الكسب، عشيّة مسيرات العودة المليونية اليوم (السبت)، وسط خشية إسرائيلية من وصول المتظاهرين إلى السياج الفاصل وتجاوزه.
هذا في وقت تتداخل فيه حسابات بعض القوى مع المصالح الداخلية أو الارتباطات الإقليمية!
وتمكّن الوفد الأمني المصري من حلحلة العديد من النقاط، والتقريب بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، خاصة أنّها قديمة متجدّدة، وما يجري الحديث عنه، ما هو إلا تطبيق لبنود اتفاق الهدنة، التي تمَّ التوصّل إليها بمحادثات غير مباشرة، عبر وساطة مصرية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بوفد ترأسه عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزام الأحمد، ووقّع عليه في القاهرة في 27 نيسان 2014، بعد 50 يوماً على العدوان الإسرائيلي.
يتركّز الخلاف الرئيسي حول مطالبة الاحتلال بابتعاد المتظاهرين في مسيرات العودة وكسر الحصار إلى مسافة 300 متر عن الشريط الفاصل، حيث تتمسّك الفصائل الفلسطينية برفض ذلك، وإنّ المسيرات سلمية والوصول إلى الشريط الفاصل حق مشروع.
على أنّ الأهم، هو ضمان إلتزام الاحتلال ببنود التهدئة، التي ثبت خلال المرحلة السابقة خرقها المتكرّر، وأيضاً تحديد السقف الزمني لما يجري التوافق بشأنه.
ويبقى أنّ الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني معنيان بتهدئة الأوضاع وضبط النفس، لسحب الذرائع من أمام الاحتلال - الذي لا يحتاج إليها أصلاً لتنفيذ اعتداءاته - بتنفيذ البرنامج المقرّر بالحشد المليوني، ورفع الأعلام الفلسطينية، وإشعال الإطارات المطاطية، لكن مع الابتعاد ما أمكن عن الشريط الفاصل، وضبط إطلاق البالونات الحرارية، مقابل تعهّد حصل عليه الجانب المصري بإلتزام الاحتلال بعدم إطلاق النار على المشاركين في المسيرة المليونية، انطلاقاً من أنّ ذلك يُساعد الجانب المصري على مواصلة جهوده في تثبيت وقف إطلاق النار والتهدئة وتخفيف الحصار عن القطاع.
يأتي ذلك في ظل الحديث عن أنّ بداية الأسبوع المقبل، ستشهد مواصلة الوفد المصري جهوده مع الجانبين، لبحث وضع جداول زمنية لتطبيق التفاهمات.
وكان اللافت أنّه مع كل زيارة يقوم بها الوفد الأمني المصري، ولقائه رئيس حركة "حماس" في قطاع غزّة يحيى السنوار، كانت تُطلَق صواريخ من القطاع، وتصل إلى منطقة تل أبيب، قبل اعتذار حركة "حماس" عن ذلك، والإعلان بأنّها أُطلِقَتْ خطأ!
هذا التبرير للخطأ يريده نتنياهو، تجنّباً للدخول في حرب ضد قطاع غزّة، هو في غنى عنها مع اقتراب استحقاق الانتخابات العامة.
ووُضِعَتْ قوّات الاحتلال في حالة استنفار قصوى على حدود القطاع، تحسّباً لتطوّرات مسيرات العودة اليوم (السبت)، حيث انتشرت الدبابات، وقامت الجرافات برفع سواتر ترابية، ووضع الأسلاك الشائكة، مع وصول تعزيزات لوحدات من ألوية جيش الاحتياط، بما في ذلك جنود الاحتياط، مع تحليق مُكثّف للطائرات خاصة المروحية والمسيّرة في أجواء المنطقة.
ومنذ انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار قبل عام، سقط 274 شهيداً برصاص "قنص" الاحتلال وأكثر من 29 ألف جريح.
ولقي استخدام الاحتلال القوّة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين في قطاع غزّة، إدانة دولية، حيث وصفها "مجلس حقوق الإنسان" بأنّها جرائم حرب وضد الإنسانية.
وطالب المبعوث الأممي للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف "إسرائيل" بالاعتدال في استخدام القوّة، وعلى "حماس" التظاهر بطرق سلمية.
وعشيّة "يوم الأرض"، لم تخرج مسيرة العودة الأسبوعية بعد صلاة الجمعة، لتحديدها من قِبل "الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار" باليوم (السبت)، لكن لم يمنع ذلك تجمّع شبان فلسطينيين بشكل عفوي في مخيّمات العودة، وهم يرفعون الأعلام الفلسطينية، فتعرّضوا لرصاص جنود الاحتلال، ما أدّى إلى إصابة 9 مواطنين بجروح مختلفة.
وفي سابقة خطيرة، أقدمت إدارة "مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي على منع الأسرى من أداء صلاة الجمعة جماعياً داخل أقسامهم في كافة السجون".