أن تسمع اليوم أن مؤسسة عامة تتقاضى ملايين الدولارات دون أن تقوم بمهامها قد يكون أمراً عاديا في لبنان، ولكن ماذا عن مكافحة الهدر؟. هي من المؤسسات التي أنشأت منذ 24 عاما وتتقاضى بدل رواتب ومصاريف في حين أنها غائبة بالفاعلية تماماً الى حدّ القول أن وجودها فقط هو على الورق ولصرف الأموال...
هذا المبدأ ينطبق على الكثير من المؤسّسات في لبنان التي نشأت منذ سنوات ولا يعرف عنها المواطنون أو المسؤولون شيئاً، يعلمون فقط بوجودها، وقد تصل الأمور الى حدّ القول إن إنشاءها هو فقط لصرف مبالغ طائلة تتكلفها خزينة الدولة. وهذه هي حال مؤسسة "اليسار" التي نشأت بموجب مرسوم يحمل رقم 6913 بتاريخ 28/06/1995 ومهمتها ترتيب الضاحية الجنوبية.
والمؤسسة المذكورة الّتي ولدت في العام 1995 على أيام رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وقدرت تكلفة المشروع الذي ستنجزه بحوالي المليار دولار نظراً لضرورة القيام بإستملاكات، إزالة المخالفات وغيرها، بقيت مشروعا في الأدراج في حين أنها باتت قائمة وتتقاضى مبالغ سنويّة ضخمة.
في هذا الإطار يشير رئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام الى أننا "نعرف بوجود مشروع بهذا الإسم ويهدف الى إزالة العشوائيّات وضم وفرز عقارات، ولكن لماذا لم يتمّ تنفيذه فالجواب عند رئاسة الحكومة وليس البلديات"، مشيراً في نفس الوقت الى أن "هذا المشروع مشابه لسوليدير يحتاج الى أموال حتى ينفذ وبالتالي على مجلس الوزراء أن يقوم بصرف الأموال اللازمة"، ومضيفاً: "نعرف أيضاً أن هناك مجلس إدارة ولا نعرف أحداً منهم كما أن البلديات ليست ممثّلة فيه".
عملياً هذه المؤسسة "القائمة شكلياً" منذ عقدين ونيّف والتي أعيد تفعيلها في العام 2012 تكلّف الدولة اللبنانية قرابة مليوني دولار بدل رواتب وأجور سنويا، ومن يفتّش عنها يجد أن لها عنواناً وأرقام هاتف حاولت "النشرة" التواصل مع المؤسسة عبرهم، وعلى أغلب الخطوط كان الهاتف "يرنّ حتى ينقطع نفسه" أما على أحد الأرقام الموضوعة على الموقع أجابت سيّدة لتبلغنا ان "الرقم غلط". هنا يبقى السؤال: "كيف لمؤسسة عامة أن تضع أرقام هواتف لا يجيب عليها أحد والأهمّ من هذا كلّه بعضها غير صحيح".
مؤخراً يقوم التفتيش المركزي بجولات على مختلف المؤسّسات العامّة يدقّق في قضيّة التوظيف العشوائي، فهل بحث في ملفّات هذه المؤسسة؟.
الملاحظ أن ملف مؤسسة "اليسار" كقضية ابريق الزيت، فمهما غصنا فيه لا نجد جواباً عن أيّ سؤال سوى أنها مؤسّسة قائمة تصرف تُهدَر فيها الملايين من الدولارات سنوياً دون أن يكون لها أيّ عمل. وهنا يراود الأذهان سؤال: أين ديوان المحاسبة؟، وكيف تُصرف الأموال دون التدقيق بها؟. ليبقى الأهم من هذا كلّه هو الإشارة الى أن هدر الأموال بالشكل الذي نراه يكلّف خزينة الدولة المليارات، فهل فهل من حدود لكلّ هدر وسرقة وتخريب في حملة مكافحة الفساد؟!.