هل هي "بردخة" آتية من بحبوحة؟ أم هو "دلعٌ" سياسي لأهداف مالية؟
لا يختلف إثنان أن لبنان واقعٌ تحت مجهر دولي سواء من دول مؤتمر "سيدر" أو من سائر المنظمات المالية الدولية. وحين نتحدث عن مجهر، فهذا يعني أن الدول والمنظمات تراقب السلطة التنفيذية وما تقوم به، سواء على مستوى القرارات أو على مستوى الأداء. وأصدق دليل على ذلك أن الموفد الرئاسي الفرنسي "بيار دوكان" المكلف متابعة تطبيق مؤتمر "سيدر"، في زيارته الأخيرة للبنان، سأل عن "الدرجات الست" التي قررها مجلس الوزراء لأساتذة التعليم الثانوي.
إلى هذا الحد بات المعنيون بلبنان يسألون ويستفسرون. فإذا كانوا تدخلوا، استفسارًا، في الدرجات الست لاساتذة الثانوي، فماذا سيفعلون حين يعلمون ان هناك اتجاهًا إلى إعفاء حوالى اربع عشرة من كبار المؤسسات والشركات التجارية والعقارية من غرامات متراكمة تصل إلى أكثر من مئة مليون دولار؟
من بين هذه المؤسسات والشركات: سوليدير. كازينو لبنان. بروكتر وكامبل لفنت. لوريال لبنان. بلاتينيوم تاور. إدارة واستثمار مرفأ بيروت. داتا سي سي سي. وغيرها...
***
وزير المال علي حسن خليل، وانطلاقًا من حرصه على المال العام وعلى التزامه القوانين المرعية الإجراء، قدم سلسلة من التوضيحات على ما يجري، فأوضح ان الواجب القانوني يحتم ان تعرض الغرامات التي تفوق مليار ليرة على مجلس الوزراء. كاشفًا أن وزارة المال أرسلت إلى مجلس الوزراء هذا الطلب لسببين، الاول عدم تمكّنها من تحصيل واردات ضريبية من الاشخاص الذين يتعاملون مع هذه الشركات لانهم لم يستطيعوا الاستحصال على براءات ذمة، والثاني عدم تمكنّها من القيام بالتحصيل الجبري للغرامات من هذه الشركات، من دون أن يبت مجلس الوزراء بهذا الطلب، لأن القانون ينص على أنه عندما يتقدم صاحب التكليف بطلب
إعفاء، على مجلس الوزراء أن يبت بهذا الطلب إما رفضاً أو قبولاً وتحديد النسب. وأكد خليل أهمية أن يتخذ المجلس قراراً، موضحاً أن رفض مجلس الوزراء للإعفاء سيسمح للوزارة بأن تفرض على الشركات جبرياً التحصيل، فيما هي اليوم تمتنع عن تسديد ما هو متوجب عليها، إلى حين البت بطلبها.
شرحٌ مسهب بالتأكيد، وتكون الكرة في ملعب مجلس الوزراء.
في الأساس فإن هذا القانون مخالف للطبيعة وللمنطق، فلماذا يحق للشركات الكبرى ان تطلب إعفاءها من الغرامات؟
ولماذا توضع الغرامات على الشركات التي أجبرت على الاقفال من جراء الوضع المتدهور؟
أليست فلسفة القانون ان يتساوى الجميع أمامه؟
أليس التمييز بين الناس والمؤسسات والشركات فسادًا في حدِّ ذاته؟
إن الدول والمنظمات التي تراقب لبنان بالتأكيد يستفزها ان تقرأ أن الحكومة اللبنانية تبحث إلغاء غرامات على شركات ومؤسسات كبرى، وتفوق هذه الغرامات مئة مليون دولار؟
***
لنعد قليلًا إلى الوراء، حين ذهب لبنان إلى باريس في شهر نيسان من السنة الماضية، لإنجاز مؤتمر "سيدر"، يتذكر الجميع ان "مساهمات" بعض الدول في إقراض لبنان لم تتجاوز المئة مليون دولار، فكيف نذهب الى باريس لنقترض مئة مليون دولار، ثم يناقش مجلس الوزراء في "إعفاء من غرامات" تصل إلى مئة مليون دولار؟