مع كل تشكيل حكومة جديدة، يعود المستشفى التركي التخصّصي للطوارىء والحروق في صيدا، الى واجهة الاهتمام، ترتفع الامال أن ينجح وزير الصحة الجديد، في إعادة تشغيله وقد تكرر الأمر مع أربعة وزراء "محمد جواد خليفة، علي حسن خليل، وائل أبو فاعور، وغسان حاصباني" دون جدوى وهو المقفل منذ سنوات طويلة لأسباب كثيرة.
والمستشفى التركي الذي تم تشييده بهبة من الدولة التركية ووكالة التعاون (تيكا) وقدرها 20 مليون دولار، على أرض قدّمتها بلدية صيدا في منطقة الوسطاني عند مدخل صيدا الشمالي، وضع حجر الاساس له في شهر أيار من العام 2009، قبل ان يتمّ تدشينه في 25 تشرين الثاني 2010 بحضور الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان ورئيس الحكومة سعد الدين الحريري، ويجري تجهيزه عام 2011، الا ان المستشفى ما زال مقفلا.
سبب الاقفال، وفق مصادر صيداويّة لم يعد خافيا على أحد، ولكنه بقي سراً خفيا، تتداول به حصراً قوى السلطة بين بعضها البعض، ويُحجب عن عوام الناس! ايّ انه يعود الى الخلافات السياسيّة حول التوظيف وتوزيع وتناتش الحصص، ناهيك عن كلفة تشغيله الماليّة، حيث أن الحكومة لم تخصص الأموال اللازمة له حتى اليوم رغم كل المناشدات الصيداوية!.
اليوم، أعادت الجولة الميدانيّة التي قام بها الأمين العام لـ"التنظيم الشعبي الناصري" النائب الدكتور أسامة سعد الى المستشفى وتفقّده الاقسام والمعدات الطبّية، تحريك القضيّة مجددا، وقد قرأت فيه اوساط المدينة على انها دعوة الى وزير الصحة العامة الجديد الدكتور جميل جبق لزيارة بوابة الجنوب وتفقد المستشفى واعطاء "الضوء الاخضر" لاعادة تشغيله، اضافة الى مستشفى صيدا الحكومي وهما بحاجة ماسة الى اهتمام ومعالجة سريعة.
بين التطورين وزير الصحة الجديد وزيارة سعد، يمكن اختصار واقع المستشفى بأنه في "عنق زجاجة"، فأرضها ملك لبلدية صيدا، والبناء والمعدات مقدّمة من الدولة التركية، وفعاليات صيدا بجميع اتجاهاتها تبدو أنها متّفقة على تشغيل المستشفى، ووزارة الصحة لا تملك المال اللازم لتشغيله، بينما عبرت تركيا للمسؤولين اللبنانيين عن انزعاجها من كون الهبة التي تبرعت بها تكاد تذهب سدى، ما يوجب طرح خيارات بديلة.
الخيارات المطروحة
هذه الخيارات البديلة أو المطروحة، بدأت تطفو على سطح الحلول المقترحة، منها:
1-في أوساط السلطة، أن هناك من يفكر بتسليم المستشفى لشركة خاصة تقوم بتشغيله بهدف الربح وفق المبدأ الذي يقوم عليه فعلياً قطاع الاستشفاء في لبنان، وهو ما يتعارض مع غاية الهبة.
2-توأمته مع مؤسسة صحّية تركيّة برعاية من بلدية صيدا لتشغيله بشكل دائم، وفق ما خلصت اللقاءات التي عقدت بين رئيس بلدية صيدا المهندس محمود السعودي مع السفير التركي في لبنان حقان تشاكيل (17 آذار 2019) بحضور وفد من المجتمع المدني، وبين السعودي والنائب بهية الحريري واللجنة الإداريّة التي عيّنها وزير الصحة السابق غسان الحاصباني (29 آذار 2019) وأعيد الاتفاق على اقتراح الوفد التركي بشأن التوأمة والإدارة، واشترط الوفد أن يكون التوظيف على أساس الكفاءة المهنيّة.
3-مطالبة الامين العام لـ"التنظيم الشعبي الناصري" مجلس الوزراء بتعيين مجلس إدارة للمستشفى يتميز أعضاؤه بالعلم والخبرة والنزاهة ووزارة الصحة بإطلاق عمل المستشفى المذكور تحت إشرافها بأسرع وقت، بحيث يقدم خدماته بأسعار تتناسب مع إمكانات المواطنين، في ظل تردّي الأوضاع المعيشيّة لغالبيّة اللبنانيين الناتجة عن السيّاسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة لنظام المحاصصة الطائفية، ووصول هذه الغالبيّة إلى مستوى العجز عن تحمّل كلفة الاستشفاء في المستشفيات الخاصة، علمًا ان الوفد التركي زار النائب سعد (29 آذار 2019) ووضعه بتفاصيل ما يجري متابعته.
تشكيل لجنة
خلال السنوات الماضية، جرت محاولات لتشغيل المستشفى، ففي العام 2016، وبناء على المراجعات التركيّة التي أعربت عن الاستياء من استمرار إقفال المستشفى وتضرّر المعدات الطبّية، تحرك الوزير السابق أبو فاعور فقرّر تشغيله ولحظ في مرسوم توزيع الإعتمادات للمؤسسات الصحيّة العامة والخاصّة مبلغ 700 مليون ليرة سنوياً، وحينذاك، وبالتنسيق مع النائبة بهية الحريري ووالنائب السابق فؤاد السنيورة، شكّل لجنة إداريّة لإدارة المستشفى تألفت من رئيس البلديّة ومدير مستشفى صيدا الحكومي غسان دغمان والنائب ميشال موسى ووزير الصحة الأسبق محمد جواد خليفة ورجل الأعمال الصيداوي وجيه البزري.
حمود يكشف
وإعتبر رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية في لبنان الدكتور بسام حمود عبر "النشرة"، ان المستشفى التركي في صيدا انجازاً مهماً للمدينة ان كان لناحية تخصصه بالحروق (وهذا ما تفتقده كل محافظة الجنوب)، أو لناحية إمكانية تأمين العديد من الوظائف لشباب المدينة. ولكن للأسف الشديد مضى على هذا الصرح اكثر من عشر سنوات وهو مقفل لأسباب عديدة وهذا الأمر يعتبر فضيحة بكل المعايير.
وأكد ان الأسباب المعلنة تعود اولا الى تقاعس وزارة الصحة عن فتح الاعتمادات الماليّة اللازمة للتشغيل، ثانيا بواقعه الحالي وبحكم تخصّصه بالحروق فقط لا يُؤْمِن تغطية ذاتية لنفقاته، خاصة ان عدد الغرف والاسرّة محدود جدا، ثالثا الخلاف حول جهّة الوصاية عليه! هل هي وزارة الصحة ام بلديّة صيدا، بينما الأسباب غير المعلنة تعود أولا الى تقاسم الحصص بين المرجعيّات السياسيّة، ومحاولة فرض الهيمنة عليه من جهات سياسيّة محليّة وغير محليّة.
وكشف حمود الى "اننا تقدمنا بخطّة عمل لتشغيل المستشفى من قبل احدى مؤسساتنا الصحية ولكن رفض طلبنا بإيعاز من احد المرجعيات السياسيّة الصيداوية".
بالمقابل، دعا رئيس "تجمع 11 آذار" السيد مرعي أبو مرعي، الى ضرورة افتتاح وتشغيل المستشفى المذكور سريعا، معتبرا ان اقفاله يشير بوضوح الى مدى الاهمال والفساد المستشري في مفاصل الدولة من الالف الى الياء، داعيا الى وقف استغلال سلطة ومراكز الدولة الرسمية على اختلافها في مدينة صيدا لمصلحة بعض الاطراف السياسية التي تعتمد الكيديّة والمزاجيّة نهجا في التعامل مع مختلف القضايا الاقتصاديّة والانمائيّة التي تهمّ المدينة وحتى في أقلّ القضايا الخدماتيّة، قائلا "يجب تحرير الادارة من النفوذ السيّاسي والبدء بعمليّة اصلاح جدّية يكون هدفها خدمة المواطنين وتحقيق مصلحتهم وفق القوانين المرعية الاجراء".