في خطوة منتظرة، من ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أقدمت واشنطن على تصنيف حرس الثورة الإسلامية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، «منظمة إرهابية أجنبية»، بزعم أنّ «الحرس الثوري يشارك بفعالية في تمويل ودعم الإرهاب باعتباره أداة من أدوات الدولة، وانّ أميركا ستواصل زيادة الضغط المالي على إيران لدعمها الأنشطة الارهابية».. واعتبر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أنّ هذا التصنيف هو الردّ المناسب على ما أسماه «سلوك النظام الايراني».
هذا القرار الأميركي الذي يشكل ذروة التصعيد في الحرب العدوانية الإرهابية التي تشنّها الولايات المتحدة على إيران منذ اتخذ ترامب قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، انما يندرج في سياق سعي واشنطن لمحاصرة طهران وتضييق الخناق عليها على الصعد كافة، في محاولة يائسة لإخضاعها للشروط الأميركية، القاضية بتعديل الاتفاق النووي بحيث يشمل مسائل تستجيب للمطالب الصهيونية وأهمّها وقف دعم إيران للمقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني، ووقف برنامجها الصاروخي، وسحب قواتها من سورية، حيث تعتبر كلّ من واشنطن وتل أبيب، انّ تنامي الدور الإيراني في المنطقة يشكل تهديداً للكيان الإسرائيلي والمصالح الأميركية وحلفاء أميركا في المنطقة.. على أنّ استهداف واشنطن للحرس الثوري مرتبط بدوره الهامّ في بناء دعائم الاقتصاد الإيراني والبنى التحتية وتطوير قدرات إيران وتعزيز وتحصين وضعها الداخلي، والدفاع عن سيادتها واستقلالها في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية، إلى جانب دور الحرس الثوري في تولي ملف دعم قوى المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني والوقوف إلى جانب الجيش السوري في محاربة الإرهاب المدعوم أميركياً و»إسرائيلياً» …
غير أنّ توقيت القرار الأميركي، يأتي بعد الاعتراف بالسيادة الصهيونية على الجولان السوري المحتلّ، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لكيان الاحتلال الصهيوني، وهو يندرج في سياق تصعيد إرهابي أميركي، لتحقيق الأهداف التالية:
اولاً: الردّ على الانتصارات التي حققها محور المقاومة في سورية والعراق واليمن ولبنان، في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني، الذي رمى بكلّ احتياطه من الجماعات الإرهابية لإسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة وإعادة إخضاع العراق وعزل إيران وإنهاء قوى المقاومة في لبنان وقطاع غزة وصولاً إلى توفير الظروف المواتية لتصفية القضية الفلسطينية، ومع ذلك فإنّ هذا المشروع فشل في تحقيق هذه الأهداف مما ولد موازين قوى جديدة لمصلحة حلف المقاومة وجعل كيان العدو الصهيوني محاصرة ببيئة استراتيجية لمصلحة المقاومة.. في ظلّ تراجع ملحوظ في النفوذ الأميركي لمصلحة تعزيز الحضور الروسي وسقوط الهيمنة الأحادية الأميركية في المنطقة والعالم…ولهذا فإن هذه القرارات الأميركية إنما هي
ثانياً: زيادة الضغط على إيران لمحاولة الحدّ من تنامي الدور الإيراني في المنطقة، والذي ترى كلّ من واشنطن وتل أبيب انه يشكل تهديداً للكيان «الإسرائيلي» والمصالح الأميركية وحلفاء أميركا في المنطقة ..
ثالثاً: تعزيز الخطة الأميركية «الإسرائيلية» الرجعية العربية لحرف بوصلة الصراع في منطقة، من صراع في مواجهة كيان الاحتلال الصهيوني والهيمنة الاستعمارية الأميركية وقوى الإرهاب التكفيري أدوات واشنطن وتل أبيب، لتصبح هذه البوصلة موجهة باتجاه ما يسمّونه «خطر إيران المتنامي في المنطقة».
رابعاً: تقديم المزيد من الأوراق الداعمة لرئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو قبل ساعات من بدء إجراء الانتخابات الاسرائيلية، ونسب هذا الإنجاز إلى نتنياهو حليف ترامب، بهدف زيادة رصيده الشعبي وتمكينه من تحقيق أكبر نسبة من الأصوات للبقاء في سدة الحكومة وبالتالي توفير الحصانة له من اتهامات الفساد الموجهة إليه، وما ينطبق على نتنياهو ينطبق أيضاً على ترامب الذي يريد من هذا القرار الجديد الحصول على المزيد من دعم اللوبي الصهيوني الأميركي في الولايات المتحدة لتعطيل أيّ قرارات تصدر المحققين في الولايات المتحدة ضدّ ترامب وعائلته حيث توجه له اتهامات بحصوله على دعم روسي في حملته الانتخابية الرئاسية، وتوجه لأفراد عائلته اتهامات بالفساد..
لكن ما هي دلالات وآثار هذا القرار الأميركي الجديد؟
في الدلالات، يؤشر القرار إلى إفلاس السياسة الأميركية، التي لم يعد لديها من أوراق في مواجهة إيران سوى الإقدام على اتهام حرسها الثوري بالإرهاب.. في حين أنّ العالم يعرف جيداً أنّ الحرس الثوري لعب دوراً مهماً في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، الذي صنعته أميركا، باعتراف ترامب وكلينتون، واستخدمته لتقويض استقرار العراق وتدمير سورية، وإعادة تعويم مشروع الهيمنة الأميركي على المنطقة.. وهذا دليل جديد على أنّ أميركا تمارس الإرهاب العالمي ضدّ الدول المستقلة الرافضة لهيمنتها، وهي تدعم وتحمي الكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني الذي قام على ارتكاب المجازر الإرهابية ويستمرّ ارتكابها كلّ يوم بحق الشعب الفلسطيني.. وهذا الكيان الذي قام ونشأ وترعرع على حساب حقوق الشعب الفلسطيني هو مماثل للنظام الأميركي الذي نشأ وقام على حساب سكان أميركا الأصليين من شعب الهنود الحمر.. انه حلف الإرهاب الأميركي الصهيوني، المسؤول عن الفوضى وعدم الاستمرار والأمن في الشرق الأوسط…
أما على صعيد المفاعيل فإنّ القرار الأميركي لا يضيف جديداً إلى رصيد العقوبات الأميركية الأحادية، فهي لا تلزم مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة، في حين أنّ إيران قد تكيّفت مع العقوبات الأميركية، وهي ردّت على هذه التصنيفات الأميركية، بتصنيف الجيش الأميركي وقيادته وحكومة الولايات المتحدة إرهاباً عالمياً.. أيّ الردّ بالمثل.. وإذا كان القرار الأميركي قد رفع من منسوب التوتر، إلا أنّ أميركا تدرك جيداً أنها ليس من مصلحتها الذهاب بعيداً واللعب بالنار مع إيران لأنّ قواعدها ومصالحها وكيان العدو الصهيوني سيكونون عرضة للتدمير من صواريخ إيران وصواريخ حلفائها في محور المقاومة.. لهذا يمكن القول إنّ القرار الأميركي يؤكد إفلاس أميركا في النيل من استقلال الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودورها في إحباط أهداف المشروع الأميركي الصهيوني…