لفت رئيس جمعية مصارف لبنان جوزيف طربيه خلال افتتاح "منتدى المال والأعمال"، الذي تنظمه "شركة كونفكس انترناشيونال" بالتعاون مع مصرف لبنان في فندق فنيسيا، بعنوان "لبنان في عين المؤتمرات الدولية"، إلى أنه "للمصادفة الزمنية، نلتقي اليوم بعد عام بالتمام على انعقاد مؤتمر "سيدر"، وما تم بعده من انجاز للانتخابات النيابية وفق قانون جديد، ثم تأليف حكومة جديدة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري لاقت دعم المجتمع الدولي، مع وعدها بالتزام اصلاح شامل وقد سبق الانجازين المذكورين خروج لبنان من دوامة الفراغ الدستوري وانطلاقة العهد الجديد برئاسة العماد ميشال عون، مما وفر فرصة طيبة لتثبيت ركائز الاستقرار والعودة الى الاهتمام بالاقتصاد وتعويض خسائر الركود المتمادي بعد العام 2011".
وأشار إلى أنه "برزت عناوين الاجراءات المطلوبة في مذكرة الحكومة السابقة الى مؤتمر سيدر وصارت لاحقا جزءا ملزما لخطة النهوض ومستلزماتها من مساعدات وقروض للقطاعين العام والخاص، وبما يتجاوز 11.6 مليار دولار، تمثل أكثر من 20 في المئة من اجمالي الناتج المحلي"، لافتاً إلى "انني لا أجد فائدة مرجوة في عرض وقائع ومحطات عايشناها معا طوال عام مضى، انما أردت التوقف امام المشهد العام وتأثير التأخير في عكس وجهة النتائج المتوخاة وانه التأخير، انه الوقت الثمين الذي نستهين بوزنه في تغيير المعادلات مع كل ذلك، نحن لا نستسلم والقطاع الخاص هو قاطرة النمو للبلد وناسه واقتصاده ولن ندخر جهدا ممكنا للدعوة في اتجاه الايفاء بالتزامات مؤتمر سيدر، ولمطالب كل مكونات الشعب اللبناني، وتوصيات الدول والمؤسسات الشقيقة والصديقة، التي تظهر عزمها في معاونة بلدنا على معاودة النهوض، خصوصا وان اللبنانيين كلهم متفقون في الجوهر، وما يفرقهم هي التفاصيل التي يمكن تجاوزها امام تفاقم الاخطار".
ودعا طربيه الى "خريطة طريق تليق بلبنان وموقعه ودوره وبمواطنيه الذين نشروا ثقافاتهم واسهاماتهم ونجاحاتهم وانجازاتهم عملا واغترابا في المنطقة والعالم، آخذين بعين الاعتبار ما يلي، نحن ننظر بايجابية الى كثافة الاهتمام الخارجي بلبنان، وحفز مسؤوليه على تسريع المعالجات في المجالات التي اصبحت معروفة للقاصي والداني، وفي مقدمها المالية العامة، حيث تتكاثر مصادر عجز الموازنة. ومن ابرز المهتمين بذلك البنك الدولي، وهو شريك استراتيجي في التزامات مؤتمر سيدر ويحمل حصة الدعم الأكبر. والوصف عينه ينطبق على الدولة الفرنسية التي تطوعت بدور المنسق المركزي للمؤتمر. كما يتمدد التقييم الى كل الدول والمؤسسات المهتمة والراغبة بدعم لبنان واقتصاده، وخصوصا الدول العربية الشقيقة المساهمة في تمويل برنامج سيدر وهناك سباق مع الزمن لانجاز الاصلاح المرتجى والوقت مكلف في ظل تباطؤ الاقتصاد وتفاقم أزمة المالية العامة وانحدار مجمل الأنشطة الانتاجية وتوسع عجز الميزان التجاري الى نحو 17 مليار دولار وتراكم عجز ميزان المدفوعات الى مستويات مقلقة، والتراجع في أغلب القطاعات الانتاجية".
وأكد ان "المطلوب جدول أولويات يتقدمه بند إجراء الإصلاحات الجذرية والبنيوية المنتظرة منذ مدة في المجالات المالية والإدارية والإقتصادية وتنفيذ المقررات المتخذة في المحافل والمؤتمرات الدولية التي سبقت الإنتخابات النيابية الأخيرة لما فيها من مبادرات ومشاريع والتزامات محفزة للنمو الإقتصادي والاستقرار الاجتماعي في لبنان"، لافتاً إلى أن "البداية هي في ملف الكهرباء، واقرار الموازنة العامة للعام الحالي، مع اعادة هيكلة النفقات والواردات بما يفضي الى اعادة خفض معدل العجز من 11 الى 8 % من الناتج في المرحلة الأولى، ومن ثم اعادة الاعتبار لالتزام خفض العجز الى 5 % من الناتج خلال 5 سنوات، مضى منها واحدة، وفقا لما التزمته الحكومة أمام المجتمع الدولي".
وأشار طربيه إلى أن "لبنان اليوم يجب ان يواجه الحقيقة بشجاعة، ويجري التحسينات الهامة المطلوبة في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية، والالتزام بالانضباط المالي والتقشف مراعاة للامكانات الحقيقية للدولة وبمنأى عن المكرمات الشعبوية"، لافتاً إلى أن "الاصلاحات المطلوبة تتخطى موضوع الموازنة ومعالجة ملف الكهرباء، فقد أتى الوقت لمعالجة الخلل البنيوي في الميزان التجاري، الذي يشكل السبب الاول في عجز ميزان المدفوعات الذي تفاقم في الفترة الاولى من هذا العام حيث قارب الملياري دولار اميركي، وهو ناتج عن ارتفاع فاتورة الاستهلاك في اقتصاد استهلاكي مع ضعف مستوى الصادرات ولبنان يستهلك اكثر مما ينتج باضعاف ويتم تمويل هذا العجز من خلال الاستدانة وان تفاقم العجز يخفض تصنيف لبنان ويرفع سعر الفوائد ويزيد الكلفة ويهدد الاستقرار".
كما اكد ان "المطلوب اصلاحات هيكلية لتحسين الميزان التجاري وليس الكلام النظري عن تخفيض الفوائد فيما يزيد تفاقم العجز من الاسباب التي تؤدي لرفعها"، مشيراً إلى أن "هذا الموضوع حري بالمعالجة لانه احد اسباب العلل البنيوية للعجز، اما الاسباب الاخرى، فنحن نرصد على هذا الصعيد، ومنذ فترة مقاربة جديدة في اعداد مشروع قانون الموازنة العامة وفي التوجهات المالية للدولة عموما".
واوضح طربيه انه "يصب في هذا السياق المحاولات الجادة لضرب مناخ الفساد، ووقف التوظيف العشوائي واعادة هيكلة وتنسيق أعمال الجمارك والمديريات العقارية والتدقيق في طلبات سلف الخزينة ومشروع قانون الغاء الاعفاءات الجمركية غير المبررة، ويأتي في مقدمة كل ذلك الخطوات المنتظرة في مجال الكهرباء وكذلك تسريع ملف النفط والغاز وان القطاع المصرفي، والذي أتشرف بتمثيله، ليس محايدا في صناعة الانقاذ وفي اعادة تصويب مسار الاقتصاد على سكة النهوض والنمو. وما من شك أن القطاع المصرفي اللبناني سيظل ملتزما مساندة الدولة بمؤسساتها وسلطاتها الدستورية، فهذا خيار استراتيجي لم نفرط باي من ركائزه حتى في أصعب الظروف التي مر بها لبنان".
وذكر بأن "القطاع المصرفي يدير مدخرات اللبنانيين في لبنان والخارج، ويجب عدم استنزافه بضرب مناخ الثقة به وبفرض ضرائب جائرة عليه صعبة الاحتمال، كما حصل العام الماضي، في فرض الازدواج الضريبي على فوائد ايداعات المصارف، وهو أمر مستغرب وغير موجود في اي مكان في العالم. وادى هذا التدبير الى تدمير هيكلية ميزانيات المصارف، وخلق الاضطراب في سوق الفوائد التي ارتفعت بسرعة غير مسبوقة ملحقة الضرر بكل طالبي القروض من سكنية وتجارية وشخصية وعقارية، وبالاقتصاد اللبناني وبالمصارف نفسها"، مشيراً إلى أن "استسهال التعرض لقاعدة الودائع ولرساميل المصارف نفسها نتيجة التدابير الضريبية المجحفة، يضعف قدرتها على الاستمرار في جذب الودائع، وبالتالي يحد من قدرتها على التسليف الميسر للاقتصاد في وقت تستمر حاجة الدولة والمجتمع الى التمويل المصرفي. لذلك فان ما نسمعه من بعض الاصوات التي تستهدف المصارف وتوظيفاتها في الدين العام كسبب لتفاقم عجز الموازنة، بدلا من معالجة الاسباب الحقيقية لهذا العجز، ينتج عنه في المحصلة ابقاء الوضع دون معالجة اسبابه وتسميم المشهد المالي بما يؤدي الى خفض التصنيف الائتماني واقفال الاسواق المالية العالمية والمحلية امام الدولة في وضع تستمر فيه حاجتها للاستدانة مجددا".
وأضاف: "حاولت بايجاز عرض حيثيات الواقع والمرتجى. لا أوافق القائلين بأننا في مركب واحد. أؤثر القول اننا في وطن واحد طالما كان وسيبقى واحة للفكر وللثقافة وللحرية ويملك قوة اغترابية فريدة وطالما كان وسيظل مقصدا لسياحة العرب واصطيافهم وتعليمهم واستشفائهم ومؤتمراتهم المهنية والمتخصصة، وتوسعت الدائرة الى السياح الأجانب. وطننا ينعم باستقرار داخلي محمود في ظل عواصف عاتية تضرب طول المنطقة وعرضها".
وتابع: "ماليا، لا يزال لدينا ميزات تفاضلية على المستوى النقدي بفعل احتياطات مصرف لبنان من العملات الاجنبية والذهب، ونجاح حاكميته في تأمين الاستقرار النقدي لمدة جاوزت الربع قرن. كما ان أغلب ديننا العام محمول من بنوك ومؤسسات وطنية ومن البنك المركزي"، مشيراً إلى "اننا في مرحلة دقيقة وحساسة. جل ما هو مطلوب هو: شد ألأحزمة وشحذ الهمم للخروج منها، بعدها من حق اللبنانيين أن يتطلعوا الى نجاح الخطة الطموحة للاستثمار في البنى التحتية وتحديثها، وأن يشاركوا في ورشة وطنية جامعة تتوخى اعادة الاعتبار لمقومات أساسية في مجالات مكافحة الفساد واحقاق مرجعية القضاء واستقلاله وتحديث الادارة، تزامنا مع تسريع التوجه الى الحوكمة والحكومة الالكترونية".