هل سيزور رئيس دولة روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين لبنان؟
تشير بعض المعلومات الدقيقة إلى أنّ الرئيس الروسي يترقّب الساعة الصفر لانطلاق ورشة الهدوء في الميدان العسكري والسياسي السوري لتبدأ روسيا الاتحادية جولات رسميّة سياسيّة تخصّ فيها كلّ من الجمهوريتين السورية واللبنانية، على ألّا تكون تلك الجولات مرتكزة فقط على وزير الخارجية الروسية كما حصل في العامين ٢٠٠٤ و٢٠٠٦ عندما زار سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا آنذاك، لبنان.
للحضور الروسي في المنطقة حيثية تتخطى الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية الى الإيدولوجية الدينية، بحيث انّ بوتين يسعى لخلق توازن رعب في موازين القوى بمختلف الاصعدة. مَن يقرأ التاريخ الروسي في المنطقة يعرف كيف يفكّر بوتين.
نتوقّف عند الآتي:
-"ساحة المدفعية" في بيروت شهدت معارك شاركت فيها قوات البحريّة الروسية التي قدّمت الى ميناء "السان جورج" للقتال الى جانب الأهالي الذين ثاروا ضد الحكم التركي. كان ذلك في العام ١٧٧٣. ما كانت انتفاضة الأهالي آنذاك إِلَّا مقاومة للاحتلال. أنزلت القوات البحرية مدفعياتها الى ساحة بيروت التي ما زالت تحمل اسم "ساحة المدفعية" ودُفِن جنودها الذين قاتلوا الأتراك مع اللبنانيين في مقبرة كنيسة "مار متر" للروم الأورثوذكس في الأشرفية.
-بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتى قبل الاستقلال اللبناني اذ أنه في العام ١٨٣٩ افتتحت روسيا في بيروت اول قنصلية لها.
-باسم جمعية مسيحية تدعى الجمعية الامبراطورية الأورثوذكسية الفلسطينية، تمّ تمويل العديد من القطاعات الثقافية والسياحية والاستشفائية في لبنان وسوريا وفلسطين، بحيث أن الباحثين التاريخيين يشيرون الى افتتاح أكثر من ١٢٠ مدرسة ومعهد ومستشفى ومشاريع بحرية وهبات للبنى التحتية في العام ١٩١٠.
-في العام ١٩٤٦ كان الاتحاد السوفياتي أول دولة في العالم ولأول مرة في تاريخ الامم المتحدة تستخدم حق النقض-الفيتو-للدفاع عن استقلال لبنان وسوريا.
-في العام ١٩٥٦ افتتحت رسميا سفارة الاتحاد السوفياتي في بيروت بنفس المبنى الذي شغلته سابقا الجمعيات الدينية الأورثوذكسية الروسية التي عملت في الحقول الاجتماعية كبعثات روسية.
-أيّدت روسيا الاتحادية استقلال لبنان وموقفه من الحرب في العام ٢٠٠٦ وقدمت مساعدات عينية لاعادة الإعمار، وأكدت على استقلال ووحدة لبنان.
ماذا يحصل اليوم؟
لا شكّ أن روسيا الاتحادية تلعب أدوارا متفاوتة وسط الصراع القائم في المنطقة، لا سيما لجهة أربعة محاور وهي:
١-العداء العربي الجزئي تجاه ايران.
٢-العداء العربي الجزئي تجاه اسرائيل.
٣-الحذر العربي الكامل تجاه تركيا.
٤-العداء الاسرائيلي الكامل تجاه العرب.
ولأنّ المحاور المذكورة آنفاً يطول البحث فيها، سنتوقف في هذه المقالة عند المحور المتعلق بالعداء الاسرائيلي الكامل تجاه العرب والموقف الروسي.
تعلم (اسرائيل) جيدا أن الصراع العربي الاسرائيلي على المستوى السياسي، والذي يتناول قضية فلسطين هو صراع وجودي. ولأنّ احتلال فلسطين لا يكتسب الشرعية الدولية، ربطت هذا الصراع بعنوان العداء تجاه الساميّة وبالكراهية تجاه اليهود، كسلاح لكسب الشرعية الدولية لاحتلالها الاراضي الفلسطينية.
نجحت تحت هذا العنوان بجذب الكثير من التمويل والدعم المالي والاقتصادي والاعلامي من اللوبيات اليهودية المنتشرة في العالم لا سيما في الولايات المتحدة الاميركية.
تحول الصراع في الرأي العام العالمي الى صراع ديني ايديولوجي.
بقي في فلسطين المحتلة ٢٪ من المسيحيين الذين هاجروا في بقاع الارض. لجأ ملايين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين الى دول العالم. مارس الاحتلال "الابترايد" على الشعب الفلسطيني لسحقه وسحق قضيته.
في العام ٢٠١٨ أُقِرّ قانون "يهودية دولة اسرائيل" الذي أعطى لليهود هناك فقط الحق في تقرير المصير.
وتبعته صفقة القرن وإعلان القدس العاصمة، والآن محاولة شرعنة الاحتلال في الجولان وسيأتي دور مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر.
في سياق هذا المشهد، برزت التنظيمات والعمليات والحروب الإرهابية. شُوِّه الاسلام وتنامت الإسلاموفوبيا في العالم. أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وعوده الانتخابية الذي حقق بعضها الكثير من السلبية تجاه الاسلام. دعمته اللوبيات الصهيونية.
بدأ اليمين في دول غربية يأخذ صبغة التطرّف الخطر. المسيحيّة في موضع الاتهام... تشرذمت القوّة المسيحيّة في المشرق نتيجة الحروب التي خيضت على دول المشرق العربي.
اسرائيل المستفيد الأكبر. روسيا ايضا تسلّفها الكثير من المواقف. فالعلاقة الإسرائيلية-الروسية، أقله من النواحي التجارية والاجتماعية والجيو-استراتيجية، فيها الكثير من التوافق والتعاون ولكن ترسمها حدود يتبين ان بوتين لا يتهاون فيها ومنها لبنان وذلك يمكن قراءته على الشكل التالي:
أولا-يبحث بوتين عن ترسيخ قوة مسيحيّة في المنطقة تشكل ردعا للقوميّة الصهيونيّة التي تستعمل اليهوديّة عنوانا لمخططاتها. فالحفاظ على الوجود المسيحي في سوريا ضرورة حتميّة لهذا المسعى، وكذلك وحدة لبنان واستقلاله يضمنان الوجود المسيحي في المشرق العربي. هذا الوجود الذي تريده روسيا ارتباطا وثيقا بها من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية، اذ لا شكّ ان امتداده يعود بالمنفعة على الداخل الروسي، حيث يقطن ١٧٦ الف يهودي بحسب احصاء دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيليّة الذي تمّ ونشر في نيسان من العام ٢٠١٨. بينما لا بد من الإشارة ان عدد سكانها من المذاهب المسيحية يبلغ ٥٣،٣٪. في ظل الصراع على القوميات التي تنتهجه اسرائيل، روسيا تريد ان تحمل مسؤولية مصير المسيحيين في المشرق العربي.
ثانيا-يؤكد بوتين على عمق العلاقة التاريخية مع ايران. بعيدا عن المصالح المشتركة بين البلدين. روسيا تسعى لحماية الوجود الشيعي في المنطقة العربية. نتيجة للعداء العربي الجزئي تجاه ايران يدفع الشيعة في بعض الدول العربية الثمن في عذابات ومآسي متعددة. لروسيا مسؤوليّة إزاء مصيرهم. قاومت الحركات الشيعيّة بدعم إيراني مشاريع الاحتلال والتقويض. روسيا شهدت على تنامي الحركات المقاومة بصمت. التوازن في القوى الدينية يبدو انه في صلب الاستراتيحية الروسية الدولية مع ما لذلك من انعكاسات على التوازن الاجتماعي الداخلي الروسي. نذكر انّ في مدينة سانت بيترسبورغ وحدها مليون مسلم من أصل شيعي وحوالي مليون شيعي في مناطق اخرى والعاصمة موسكو.
ثالثا-في خضمّ الصراع على النفوذ والرعاية السنّية فيما بين تركيا ودول الخليج العربي ومصر، روسيا تعمل على خطّ التهدئة. وهي ساهمت في وقف التحريض ضدّ السنّة باسم محاربة الارهاب. بالمقابل لم تشجع موسكو حكم الاخوان المسلمين في مصر وعلاقتها مع الحكم في تركيا تحددها المصالح الاقتصادية المشتركة. نشير الى ان عدد المسلمين في روسيا هو اليوم حوالي ٢٦ مليون نسمة يمثلون ١٥٪ من عدد السكان الاجمالي منهم ٢٤ مليون ينتمون الى المذاهب السنية.
لبنان، بجغرافيته الصغيرة يعتبر نموذجا للتوازن الايديولوجي الديني وقوة ردع كبيرة امام المطامع الإسرائيلية. الرئيس الروسي يحرص على استقبال رموز الطوائف الدينيّة اللبنانية شخصياً ولئن هم شخصيات سياسية وحزبية. رئيس الحكومة سعد الدين الحريري يتحضّر لزيارة اخرى لروسيا في حزيران المقبل. إذاً، صحيح ان موسكو ليست في المحور المقاوم لاسرائيل ولكنها صديقة شبه استراتيجية له بأبعاد وجودية.
يعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تكوين قوة ردع ايديولوجية بوجه القوميّة "الصهيونية" وذلك باستراتيجية براغماتية. من جهة، لاستيعاب الصراع وحصره حيث هو، ومن جهة اخرى لتحويله الى مادّة فوز تعيد موقع روسيا الاتحادية الى الايديولوجية القيصريّة لما قبل الاتحاد السوفياتي.
في لبنان ، المفاجأة قد تكون كبيرة لدى البعض حينما يقرر ربما بوتين بتوافق مع الأطراف اللبنانية كافة، ومن مختلف طوائفهم، على نشر قواته البحرية قبالة السواحل ولكن خارج الحدود البحريّة اللبنانية، اي خارج المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وذلك تحت عنوان أمن الطاقة وتحديدا الحرص على تنقيب آمن للنفط في كل من لبنان وإسرائيل. من هو المستفيد الأكبر؟!.