كثيرة هي ألقاب بطرس البستاني، وأبرزها "المُعلّم"، نظرًا إلى دوره التنويري والتثقيفي في زمن كان فيه الجهل على المُستويين العلمي والثقافي، لا يزال سائدًا في كثير من بقاع المنطقة والعالم أجمع. وليس بسرّ أنّ هذا الأديب والمُربّي والمؤرّخ والموسوعي، إلخ. ترك بصمات لا تُمحى في التاريخ اللبناني والعربي، والأهمّ أنّه سبق عصره بأفكاره وبطروحاته، حيث أنّه عالج مشاكل لا تزال قائمة حتى تاريخه، وذهب بعيدًا في طرح الحُلول لها، وهو الذي عاش من العام 1819 حتى العام 1883!.
وأقوال "المُعلم" بطرس البستاني هي خير من يتحدّث عنه، وفي هذا السياق، يُمكن إستعراض بعضها:
"ما يجعل النّاس برابرة أو مُتمدّنين إنّما هو المرأة"، و"أخبرني ما هو الإنسان، وأنا أخبرك ماذا كانت أمّه"... هو كلام صادر عن شخص عرف خطر حرمان المرأة من العلم والثقافة، وطالب بإعطائها حُقوقها وبمُساواتها بالرجل، ودعاها للعب دورها كاملاً في المُجتمع، لأنّه "لم تُخلق المرأة لكي تكون في العالم بمنزلة صنم يُعبد أو أداة زينة... بل أقامها الله أمًّا للخليقة".
ومن حُقوق المرأة إلى الوطن وسُبل حفظه ومخاطر دماره: "أشرّ ما يُوجد تحت قبّة الفلك الحُروب، وأشرّ الحُروب وأشنعها الحُروب الأهليّة"، و"يا أبناء الوطن، إنّ الإلفة ضروريّة لحفظ الوطن وبقائه، كما أنّها ضروريّة لعماره ونجاحه"... هو كلام صادر عن شخص عايش أحداث العام 1840 وخُصوصًا العام 1860، بما تضمّنته من مجازر وقتل وشرور، وحثّ الناس على حفظ وطنهم وتقديمه على مصالحهم الضيّقة بقوله "إنّ حُبّ الوطن يكون بتفضيل صالحه على الصّوالح الذاتيّة أشخصيّة كانت أم طائفيّة"، وكذلك بقوله "ممّا يزيد أبناء الوطن حُبّا لوطنهم، الإشعار بأنّ البلاد بلادهم، سعادتهم في عمارها وراحتها، وتعاستهم في خرابها وشقائها". وهو ذكّر أبناء الوطن بحقيقة دامغة: "إنّكم تشربون ماء واحدًا، وتتنسّمون هواء واحدًا، ولُغّتكم وأرضكم واحدة...". كما كان ثوريًا في التصدّي للإنتقام العشائري وللإنتقام المناطقي والطائفي بقوله: "لا تؤخذ عائلة بذنب واحد منها، ولا فئة بذنب بعض أفرادها، ولا يؤخذ وطن بذنب بعض بنيه".
وكانت للمُعلّم بطرس البستاني أفكار ثوريّة في ما خصّ العديد من المواضيع الشائكة، على غرار ضرورة فصل الدين عن الدولة بدعوته إلى "وُجوب وضع حاجز بين السُلطة الرّوحيّة والسّياسَة، أي السُلطة المَدنيّة"، وعلى غرار وُجوب التقيّد بالحُقوق وبالواجبات بقوله "لأهل الوطن حُقوق على وطنهم، مثلما للوطن واجبات على أهله"، وكذلك على غرار التحذير من خطر السُقوط في الإنغلاق والتعصّب بقوله "نُحذّركم من أربعة: التعنّت والتحكّم والتعصّب والبُطلِ، فإنّها ليست من الخير بشيء".
وهو كان من دُعاة الحريّة بكامل أشكالها، وعلى كل المُستويات، ورافضًا لمُختلف أنواع التزلّف والتصرّف بدنويّة، ومن أقواله في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر: "حريّة الضمير لا يُمكن أن يمنحها أصحاب الحُكم في هذا العالم"، وكذلك "فضّلوا التعيّش من الكدّ بأيديكم وعرق جبينكم، على الوُقوف على الأبواب والإتكال على الإحسانات".
حتى أنّ رؤية المُعلم بطرس البُستاني كانت تُعتبر ثوريّة في عصره، بالنسبة إلى تطوّر الأجيال، حيث قال مثلاً: "إلى الذين يرون التمدّن في تقليد السلف، حذار من تمدّن الأجيال السّالفة، وأيضًا "إنّ التمدّن الحقيقي لا يُحاول رفع شعب إلا برفع أفراده، واحدًا فواحدًا، من الرجال والنساء".
ولا حاجة للتذكير بأنّ المُعلّم بطرس البستاني الذي كانت له أعمال رائدة في مجال الترجمة، ومنها مُشاركته في ترجمة الكتاب المُقدّس من لغّته الأصليّة إلى العربيّة، وأيضًا في مجال تعميم المعرفة عبر القاموس المُطوّل للغّة العربيّة: "محيط المحيط"، وعبر إطلاق مشروع أوّل دائرة معارف باللغّة العربيّة، إعتبر في زمانه أحد أركان اللغّة العربيّة على مُستوى المنطقة ككل وليس في لبنان فحسب.
في الختام، إشارة إلى أنّه في الأول من أيّار المقبل، وهو تاريخ الذكرى المئويّة الثانية لولادة بطرس البستاني، سيُقام حفل تكريم لهذا المُعلّم الذي يُمثّل قيمة مُضافة لأي شعب ولأي وطن لا تضمحلّ مع مُرور الوقت بل تزداد إشراقًا وبريقًا.