عندما كان يغرّد رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط حول زيارته السفارة الأميركية منذ أيام، لإجراء "معاملات التأشيرة"، كان يسأل سياسيون: هل أراد جنبلاط تبرير الزيارة الى عوكر، والرد على المعلومات حول إستنجاده بالأميركيين ضد "حزب الله"؟ ربما، قد يكون أراد ذلك، رغم أنه أوحى أن تغريدته هي حول جسر جل الديب وإنتشار الجيش على جوانب الطرقات لحماية الرئيس البلغاري الذي كان يزور جبيل.
جميع الأحوال، أظهرت الأيّام الماضية أنّ العلاقة بين جنبلاط و"حزب الله" إزدادت تأزمّاً بعد إستنفار أنصار "التقدمي الإشتراكي" على وسائل التواصل الإجتماعي وعبر "الواتساب" تحريضاً على الحزب وإتهامه بأنه "يريد بناء قاعدة عسكريّة في عين دارة، تحت عنوان معمل ترابة يملكه آل فتوش". في وقت كان "التقدمي" يتوسّط لدى القضاء لعدم محاكمة ناشط في القضية متّهم بالتحريض والتشهير في قضية معمل الإسمنت، وينظّم له لقاءات اعلاميّة على شاشات تلفزيونيّة للدفاع عن خطوة وزير الصناعة وائل ابوفاعور.
تروي مصادر مطّلعة لـ"النشرة" أن القصة بدأت سابقاً "يوم اراد جنبلاط "الشراكة الإلزاميّة" مع آل فتوش في معمل الترابة في عين دارة، لكنهم رفضوا، فعرض عليهم تسويق منتوجات معمل الترابة الذي يملكه من خلال معملهم في عين دارة، لكن آل فتوش رفضوا ايضاً، وتابعوا الحصول على تراخيص كاملة ونيل أحكام قضائيّة وتطبيق الشروط التي فرضتها الوزارات، وعدم ترك أيّ ثغرة قانونيّة، ما إستدعى موافقة وزير الصناعة السابق النائب حسين الحاج حسن على التراخيص الخاصة بمعمل عين دارة"، لكن بعد تولّي ابو فاعور حقيبة الصناعة ابلغ بعد أيام "حزب الله" نيته سحب الترخيص، لكن معاون الأمين العام لحزب الله حسين الخليل حذّره من تلك الخطوة، "لأنها تخالف القوانين والأحكام، وسيعتبرها الحزب تجنٍّ عليه وإتهاماً لوزيره الحاج حسن بالمخالفات، بينما يقود الحزب حملة ضد الفساد".
عندها ردّ أبو فاعور بوجوب الحديث مع جنبلاط شخصياً، ما أثار إستغراب "حزب الله" الذي إتّخذ قراراً بإلغاء الإجتماع الذي كان مقرّراً بين جنبلاط والخليل، تمهيدا للقاء بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ورئيس "الإشتراكي". بعدها جرى تشاور بين رئيس الحكومة سعد الحريري وجنبلاط بناء على طلب الأخير، ثم التواصل مع الأميركيين بهذا الشأن. لكن السؤال الذي طرح نفسه: ماذا كان يريد جنبلاط من نصرالله؟.
تقول المصادر أن رئيس "التقدمي" كان يسعى لتسوية أموره مع دمشق، رغم كل الخطاب السياسي والإعلامي الظاهر ضد النظام السوري. تضيف المصادر المطّلعة أن جنبلاط لمس "ضياعاً في الموقف الأميركي تجاه المنطقة، وشعر بوجود خطوات غربيّة تطبيعيّة مع السوريين، وإهتمام واشنطن بصفقة القرن لا غير، في وقت يبدي حليفه الحريري كل تساهل تجاه الحزب وفريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الحكومة وخارجها". وتوضح المصادر أن "تنازلات جنبلاط تجاه العهد في الجبل جاءت في هذا السياق، تمهّد لترسيخ دوره الوسطي، وتقليد سياسة رئيس التيار "الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل تجاه الداخل والخارج"، رغم سقف الخطاب الإعلامي العالي الذي يتعمّد رفعه رئيس "التقدمي" في الآونة الاخيرة. لكن الوقائع مغايرة بدليل سعي "وليد بك" للإتصال بقيادة "حزب الله" مجدّداً لتسوية أمر العلاقة. ويُظهر هنا الحزب مرونة نسبيّة، ستكون نتائجها مشروطة "بفكّ أسر معمل عين دارة، وسحب المسلّحين المرابضين هناك، تحت غطاء البلدية".
فهل يريد جنبلاط المقايضة بين موافقته على معمل عين دارة وتسوية وضعه مع دمشق مثلاً؟. حتى الآن يصرّ "حزب الله" اولاً على موقفه بضرورة تراجع أبو فاعور عن قراره من دون شروط، "لأنّ عدم التراجع هو إستهداف للحزب لا آل فتوش" الصامتين في هذه المرحلة، وثانياً عدم عرقلة بدء العمل في معمل الإسمنت بعدها قد يكون كل شيء وارداً.
ويتسّلح مطّلعون بالقول: ان المعمل يحقق ايرادات مالية للبنان، لأنه يصدّر منتوجاته الى الخارج ولا سيما الى سوريا، ويشغّل الفي عامل لبناني، وتستفيد منه منطقة الجبل بدءاً من عين دارة.
ورداً على الكلام عن الضرر البيئي، يردّ هؤلاء: المعمل بعيد عن السكّان، وحاز على موافقات بعد دراسات بيئيّة وصناعيّة. ويسأل هؤلاء أنفسهم: هل يحترم معمل جنبلاط في منطقة سبلين شروطا بيئيّة؟ وهل حاز على رخص قانونيّة؟.