انتهت الانتخابات الفرعية في طرابلس، وادلى كل تيار وحزب سياسي بدلوه في الموضوع، ونشرت تحاليل سياسية وقراءات في الواقع السياسي للبلد انطلاقاً من النتيجة التي اسفرت عنها الانتخابات. وبعد ان قيل الكثير عن الناحية السياسية والاجتماعية بعد انتهاء العملية الانتخابية، ولكن لا بد من التوقف عند الناحية التقنية، وهي بالغة الاهمية ايضاً نسبة الى ما تبيّن من نقاط يجب النظر فيها قبل اي انتخابات مقبلة.
لعل ما يلفت الانظار والاهتمام بالفعل، هو ان اللبنانيين لا يزالون بعيدين عن قانون الانتخاب الجديد الذي اجريت على اساسه الانتخابات النيابيّة العامة السنة الفائتة، وهذا الابتعاد اما مقصود لجهة عدم رغبتهم في "تعقيد" الامور على انفسهم والاطلاع على بعض الامور الاساسية فيه وخصوصاً لجهة قواعد الاقتراع، واما غير مقصود لجهة اعتبارهم ان الامور لا تستأهل هذا القدر من المتابعة ويمكن الاقتراع دون بذل اي جهد ممكن. فوفق النتائج الرسمية الصادرة عن لجنة القيد العليا والتي اعلنتها وزيرة الداخلية ريا الحسن، تبيّن ان عدد المقترعين بلغ 32963 (وليس 33963 وهو خطأ وقعت فيه معظم وسائل الاعلام التي غطت الخبر، ولو صح هذا الرقم لكان خلق بلبلة لانّ فارق الارقام سيبلغ حينها الف صوت ضائع)، ولكن المخيف في المسألة ليس تدني نسبة المقترعين فقط لتصل الى 12،55%، بل عدد الاوراق الملغاة والذي وصل الى 2648 ورقة اي بحدود 8% من مجمل عدد المقترعين. واذا كان مفهوماً ان من صوّت بورقة بيضاء (1951 ورقة) اراد ايصال موقف معيّن اما سياسي او اعتراضي، فإنه من غير المفهوم سبب الاقتراع الخاطىء لهذا العدد، خصوصاً وانه لم يمضِ وقت طويل نسبياً على الانتخابات النيابية العامة التي اجريت على اساس القانون الجديد، وكان من المفترض ان يدرك اللبنانيون طريقة التصويت. هذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى انه يجب على من يرغب في ممارسة حقه الانتخابي في الاستحقاقات المقبلة، ان يستفهم بشكل دقيق عن كل متطلبات الاقتراع، والا سيذهب صوته سدى على الصعد السياسيّة والاجتماعيّة وغيرها...
الامر الثاني الذي يجدر التوقف عنده هو استمرار وزارة الداخلية في نجاحها في اجراء الانتخابات دون شوائب كبيرة تذكر، وهذا مردّه الى ان فريق العمل "الاساسي" للانتخابات بقي دون تعديل وهو امر جيد لانه يعرف خفايا العمليّة وتفاصيلها وهو ساهم في تطبيق قانون الانتخاب ووضع آليّة حديثة لمواكبته، واثبت انه يمكن الاعتماد عليه في كل زمان، وليس فقط في ولاية وزير معيّن، والدليل ان احداً لم يشتكِ من هفوات او نواقص شابت العملية الانتخابيّة، ما خلا طبعاً تجهيز مراكز الاقتراع بوسائل خاصة تسمح بتسهيل انتخاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو مطلب زمني تحمله الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات.
وفي مقابل النجاح الاداري والامني الذي اسفرت عنه انتخابات طرابلس الفرعية، برزت مشكلة تتعلق بالقضاء حيث كان من المفترض استباق الاحداث وتعيين اكثر من قاضٍ لتسلّم المغلّفات من رؤساء الاقلام، والتي تحتوي على نتائج الفرز في كل قلم، وهو خطأ تمّ تداركه بعد فوات الاوان، علماً انّ عدد الاقلام معروف ومنذ فترة بعد الظهر، كانت نسبة الاقتراع قد اصبحت شبه واضحة ولم يكن هناك من سبب يدعو الى عدم وجود اكثر من قاضٍ في قصر العدل لتسلّم المغلفات.
باختصار، لم تسفر الانتخابات الفرعيّة في طرابلس عن نتائج كان يرغب الجميع في رؤيتها، ان على صعيد المشاركة او على صعيد التفاعل الايجابي مع قانون الانتخابات، او على صعيد تسلّم المغلفات من رؤساء الاقلام، ويبقى العزاء الوحيد انه تمّ احترام المهل الدستورية من جهة، ونجاح الداخلية والجيش والقوى الامنية في تمرير الانتخابات بشكل سلس.