أكثر من مرّة، طُرحت في الآونة الأخيرة فكرة زيارة قد يقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون، ووزير الخارجية جبران باسيل، إلى العاصمة السورية دمشق، وذلك لبحث ملفّ النزوح السوري، والاتفاق مع الحكومة السورية على آلية إنهائه، خصوصاً أنّ لبنان لم يعد قادراً على تحمّل تبعاته على أكثر من مستوى.
أكثر من ذلك، ذهب البعض لتحديد مواعيد لمثل هذه الزيارة، التي قيل إنّ زيارة عون وباسيل إلى العاصمة الروسية موسكو أتت بمثابة "تمهيدٍ" لها بشكلٍ أو بآخر، خصوصاً في ضوء التسريبات التي أحاطت بالزيارة، والتي أوحت بأنّ الجانب الروسي الذي سبق أن أطلق مبادرة لعودة النازحين، شدّد على ضرورة التنسيق مع السوريين مباشرةً لتفعيلها.
لكن مع مرور الأيام، خرج الحديث عن الزيارة "الرئاسية" إلى دمشق من دائرة الضوء، ليُطرَح السؤال، هل صرف عون وباسيل النظر نهائياً عن الزيارة؟ ولماذا؟ وما مصير ملف النازحين في هذه الحال؟!.
أزمة وطنيّة؟!
بدايةً، يمكن القول إنّ مسألة الزيارة إلى سوريا لا تزال إشكاليّة إلى حدٍ كبير في لبنان، وتحديداً بين المكوّنات الحكوميّة، التي لم تستطع الاتفاق في ما بينها على مقاربة موحّدة لمثل هذه الخطوة، حتى لو جاءت تحت عنوان المصلحة اللبنانية، أو بشعار إنهاء ملفّ النزوح السوريّ.
فعلى صعيد المصلحة اللبنانية أولاً، يمكن القول إنّ فريقاً لبنانياً أساسياً يتصدّره رئيس الحكومة سعد الحريري لا يزال معارضاً بالمُطلَق لفكرة الزيارة، علماً أنّه سبق للحريري أن أعلن بوضوح أنّه يرفض زيارة العاصمة السورية، ولو فرضت مصلحة لبنان ذلك، داعياً إلى اختيار غيره رئيساً للحكومة في مثل هذه الحالة.
وعلى صعيد إنهاء ملفّ النزوح السوري، تبدو وجهات النظر متباينة أيضاً في هذا الإطار بين مكوّنات الحكومة، إذ فيما يصرّ فريقٌ من اللبنانيين على أهمية حصول هذه الزيارة تمهيداً لحلّ الأزمة، يرى فريقٌ آخر أنّ مثل هذه الزيارة لن تجدي نفعاً، باعتبار أنّ النظام السوري لا يريد أصلاً إعادة النازحين، وأنّه لو أراد ذلك فعلاً، لأمكنه اللجوء إلى خطوات عدّة، ولو من باب "حسن النيّة".
من هنا، يقول البعض إنّ صرف عون وباسيل النظر عن الزيارة، ولو موقتاً، قد يكون من باب تفادي "أزمة وطنية" كان يمكن أن تفجّرها الزيارة، خصوصاً بعد الانتقادات التي تعرّضت لها سلفاً، بمجرّد إثارتها إعلامياً على طريقة المصادر، وكأنّ المطلوب كان "جسّ النبض" ليس إلا، فإذا بالنتيجة تؤكد أنّ المقوّمات الموضوعية لمثل هذه الزيارة لم تنضج بعد على المستوى الوطنيّ العام.
المساعي مستمرّة...
وإذا كان البعض يردّ على ما سبق عبر الإشارة إلى أنّ بعض الوزراء يقومون أصلاً بزيارة سوريا، من دون أن تؤدي زياراتهم غير المتوافَق عليها إلى أيّ أزمةٍ معتبَرة، فإنّ الأكيد أنّ "الحساسيّة" التي يمكن أن تثيرها زيارة من الوزن "الرئاسيّ" الثقيل، تجعلها خارج المقارنة مع أيّ زيارةٍ أخرى، وهو ما يجدر بالجميع التوقّف عنده.
وفي حين يبدو أنّ مبدأ تأجيل الزيارة حتى إشعارٍ آخر، يمكن أن تؤمّنه الوقائع على الأرض، قد اتُخِذ، فإنّ ذلك لا يعني على الإطلاق، تسليم "العهد" بالوضع القائم حالياً، كما يؤكد المقرّبون منه، الذين يلفتون إلى سلسلة خطوات سيواصلها عون وباسيل في المرحلة المقبلة، بموازاة تفعيل قناة الاتصال المتّفق عليها مع الجانب السوري، والمتمثلة بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والذي لا اعتراضات تُذكَر من أيّ من الفرقاء على العمل الذي يقوم به مع السلطات السورية، على خلفية ملف النزوح.
وبالتوازي مع العمل على هذا الخط، فإنّ رئيس الجمهورية ووزير الخارجية يعملان من جهة ثانية، على تفعيل الأداء الدبلوماسيّ في ما خصّ ملفّ النازحين، ويُلاحَظ في هذا السياق حرص عون على إثارة ملف النازحين في كلّ اللقاءات التي يجريها مع الموفَدين الأجانب الذين يزورون لبنان، أو خلال زياراته وجولاته الخارجية، خصوصاً على هامش المنتديات والقمم التي تعقد، سواء على المستوى العربي أو الإقليمي والدولي. ويسري الأمر نفسه على وزير الخارجية الذي حوّل ملف النازحين إلى شغله الشاغل، من دون أن يتردّد حتى في تحدي المجتمع الدولي، كما حصل على هامش مؤتمر بروكسيل الأخير الذي لم يكتف بمقاطعته، بل صوّب نحوه سهامه.
ولعلّ التعويل الأساسي الذي يبني عليه عون وباسيل في كلّ ذلك، يكمن في إقناع أصحاب القرار في الدول الكبرى بضرورة عدم ربط ملف النزوح بالحلّ السياسيّ للأزمة السورية، الذي قد يطول الوقت قبل التوصّل إليه، علماً أنّ الدبلوماسية اللبنانية حقّقت خرقاً على هذا الصعيد خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة إلى لبنان، فضلاً عن عملها على تأكيد أيّ فصل بين المساعدات المقدّمة للبنان، بموجب مؤتمر سيدر أو غيره، بأيّ خطة لتوطين النازحين، تزخر بها الكواليس السياسية على أكثر من خط.
أهمّ من التسوية؟!
تشير المعطيات إلى أنّ الزيارة الرئاسية إلى دمشق، والتي وُضِعت على النار في مرحلة معيّنة، تزامناً مع زيارة رئيس الجمهورية إلى روسيا، وبالتوازي مع الزيارات التي يقوم بها عدد من الوزراء إلى العاصمة السورية، تراجعت عن سلّم الاهتمام، لاعتباراتٍ وحساباتٍ عدّة، أهمّها عدم توافر مقوّماتها، على مستوى الإجماع الوطني.
إلا أنّ المعنيّين يؤكدون أنّ صرف النظر عن الزيارة يبقى مؤقتاً حتى إشعارٍ آخر، لأنّ عون وباسيل مصرّان على إنهاء ملف النازحين مهما بلغت التضحيات، وما قول باسيل في فترة من الفترات إنّ عودة النازحين أهم من التسوية الرئاسية سوى خير دليل، ولكن بعد استنفاد كلّ الخيارات المُتاحة الأخرى...