لم يحصل الإنقلاب في السودان، ولا المتغيّرات في الجزائر، ولا محاولة تبديل قواعد اللعبة في ليبيا، من فراغ. سبق تلك المحطّات المفصليّة مؤشرات أوحت بأن شمال إفريقيا يتحضّر لمرحلة جديدة، لن تقتصر على تلك الدول بل قد تطال تونس والمغرب، فهل تقف تداعياتها عند تلك الحدود أم تصل إلى اوروبا بدءاً من إيطاليا القريبة؟.
الأوروبيون قلقون، وخصوصاً في باريس وروما ولندن، بعد تحذيرات سابقة من تأثير الإهتزاز الجزائري على وضع شمال إفريقيا، خشية من تساقط الدول كأحجار الدومينو نتيجة توسّع الصراع بين تيارين: العسكر من جهة، و"الإخوان المسلمين" من جهة ثانية. ولا يستبعد الأوروبيون أن تلقى التداعيات الليبية-الجزائرية-السودانية صدى في مصر أيضاً. لكن القاهرة الحريصة على وقف التمدّد "الإخواني" حاولت الوقوف إلى جانب القائد العسكري الليبي المشير خليفة حفتر الذي حاز على دعم الرئيس المصري عبدالفتّاح السيسي.
من السهولة إمتداد الصراع إلى تونس، نتيجة محاذاة الحدود لهذا البلد مع ليبيا من جهة، ومع الجزائر من جهة أخرى، بينما يأتي الخطر ثانياً على المغرب الذي يحدّ الجزائر. فيما تكون الأخطار أقل نسبياً على مصر التي تحاذي السودان وليبيا.
تُظهر كل المؤشرات أن الفوضى هي التي تسود، لعدم قدرة العسكر على ضبط تلك الساحات، في ظل إنتعاش الحركات الإسلامية، "الإخوانية" تحديداً في شمال إفريقيا، وعدم قدرة العسكر على الحسم في ليبيا مثلاً، بعدما تلقّى حفتر ضربة قاسية اوقفت مشروعه للوصول الى طرابلس. وأظهرت تقارير أن حفتر كان يعتمد على دخول سهل وسلس الى العاصمة الليبية، لكنه إصطدم بمقاومة صلبة في طريقه الى طرابلس الغرب، حيث ينتشر المسلحون الاسلاميون في بيئات حاضنة لهم من بنغازي إلى مصراتة، علماً أن الأنباء تحدثت عن نقل تركيا مقاتلين إسلاميين من إدلب السوريّة الى ليبيا لمنع حفتر من الوصول الى العاصمة، ووقف المدّ العسكري الليبي. وبالضربة التي تلقّاها المشير هناك، إنتعشت آمال "الإخوان" في حربهم المفتوحة مع العسكر في شمال إفريقيا، حيث باتوا رقماً صعباً، رغم محاولة ضربهم في السودان، والجزائر، لكن الإسلاميين يحضّرون لمعارك طويلة في شمال إفريقيا، بدت بعد الإنقلاب الجزائري في فشل المجلس الإنتقالي من إمساك السلطة بالكامل ضمن شروطه، وتزداد الصعوبات يوماً بعد يوم، لتوحي أن الجزائريين مقبلون على وضع صعب، بينما تحاول تونس أن تجنّب نفسها الشرب من نفس الكأس التي توحي بصراع إقليمي بأبعاد دولية. ولذلك جاء تصريح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بأنه لا يرغب بخوض تجربة الرئاسة من جديد.
لكن ما هو مستبعد حتى الآن ان تكون المغرب او مصر داخل السباق القائم بين العسكر و"الإخوان"، لإعتبار ان الإسلاميين يحظون بالمشاركة في كعكة المغرب السلطويّة، والقاهرة عرفت كيف تمنع تمدّدهم الشعبي بعد إسقاط تجربة الرئيس المعزول محمد مرسي. لكن بمجرد الإرتياح في الجزائر وتونس وليبيا، ستصبح كل من مصر والمغرب امام مخاطر التمدد "الإخواني" مجدداً.
لكن الصراع المذكور، يحصل على دعم ومتابعة دوليّة بدءاً من الأوروبيين الى الأميركيين والعرب الخليجيين والأتراك، في لعبة مفتوحة، لا يمكن معرفة الغالب فيها لاحقاً ولا المغلوب. فهل تمتد النسخة الثانية من "الربيع العربي" عشرات السنين؟ كل شيء وارد.