كلّف الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين رسميًا، رئيس حزب "الليكود" بنيامين نتانياهو، تشكيل حُكومة جديدة يُنتظر أن تكون يمينيّة مُتطرّفة بحُكم طبيعة الأغلبيّة النيابيّة التي تدعمها(1). ومن المُتوقّع أن يُشكّل نتانياهو حُكومته الخامسة خلال الأسابيع المُقبلة، على أن تُواجه فور تسلّمها السُلطة رسميًا في المُستقبل القريب، إمتحانًا شديد الخُطورة، يتمثّل بقرب إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تفاصيل التسوية الخاصة بالقضيّة الفلسطينيّة. وعلى الرغم من أنّ المعلومات الدقيقة بشأن هذه الخطّة غائبة تمامًا، فإنّ التسريبات بخُصوصها تدعو إلى القلق الشديد. والأسئلة التي تفرض نفسها في هذا السياق، هي: هل ستتسبّب هذه التسوية التي أطلق عليها إسم "صفقة القرن" بانهيار الإستقرار الهشّ في المنطقة، وهل ستقضم الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة بشكل نهائي، وهل ستقضم مزارع شبعا اللبنانيّة؟.
صحيح أنّ تفاصيل التسوية التي تسعى الإدارة الأميركيّة لتسويقها في الشرق الأوسط غير واضحة رسميًا بعد، لكنّ الأصحّ أنّ جزءًا كبيرًا من بُنودها تسرّب إلى الإعلام، تارة بشكل مُتعمّد بهدف "جسّ النبض"–إذا جاز التعبير، وطورًا بشكل غير مُباشر باعتبار أنّ الكثير من الإقتراحات نُوقشت في أكثر من زيارة رسميّة لمسؤولين أميركيّين إلى الشرق الأوسط. وقد كشف غاريد كوشنير الذي يُعتبر أحد أهمّ مُستشاري الرئيس الأميركي، في تصريح له في الماضي القريب، أنّ خطة التسوية الأميركيّة ستُعلن قريبًا، مُشيرًا إلى أنّها تستوجب تقديم الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تنازلات عدّة. وبحسب المَعلومات المُستقاة من أكثر من مصدر، فإنّ الخُطوط العريضة لما يُعرف بإسم "صفقة القرن" تضمّ ما يلي:
أوّلاً: سيتمّ تحديد سقف زمني مُحدّد وقصير للمُفاوضين الفلسطينيّين والإسرائيليّين الذين سيلتقون لبحث تفاصيل التسوية المُرتقبة، وسُبل تنفيذها.
ثانيًا: ما سيُمنح للفلسطينيّين لا يرتقي إلى مُستوى مفهوم الدولة المُستقلّة وصاحبة السيادة، نتيجة رفض قيام جيش مُسلّح فيها، بل مُجرّد وحدات شرطة لفرض الأمن الداخلي، وبفعل تمسّك إسرائيل بالسيادة الأمنيّة على أكثر من معبر ومرفأ.
ثالثا: سيتمّ ضمّ ما بين 10 و15 % من مساحة الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل بشكل نهائي، على أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من باقي المناطق بشكل تدريجي وفق جدول زمني واضح.
رابعًا: سيتمّ منح الفلسطينيّين جزءًا جغرافيًا صغيرًا في ضواحي مدينة القُدس، لتكون عاصمة لدولتهم المنزوعة السلاح، على أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة على الأماكن المُقدّسة في المدينة، وعلى المعابر التي تسمح بالوصول إليها وبالخروج منها.
خامسًا: سيتمّ وصل مناطق السيطرة الفلسطينيّة في كل من قطاع غزّة والضفّة الغربيّة بممرّ آمن، تسهيلاً لتنقّل الأشخاص ولنقل البضائع، ولكن هذا الممرّ سيخضع للمُراقبة وللإشراف من قبل الجيش الإسرائيلي.
سادسًا: سيتمّ تقديم مُساعدات مالية ضخمة للفلسطينيّين، وضخّ إستثمارات كبيرة لبناء بُنى تحتيّة حديثة، ولتوفير فرص العمل للشعب الفلسطيني، ولرفع مُستوى المعيشة بشكل كبير.
سابعًا: لا تشمل الخُطّة إعادة اللاجئين الفلسطينيّين إلى أرضهم، ولا الإنسحاب إلى أراضي العام 1967، ولا منح القدس الشرقيّة للفلسطينيّين، وهي المطالب التاريخيّة للمُفاوضين الفلسطينيّين.
ثامنًا: تنصّ الخطة على أنّ إسرائيل هي وطن قومي للشعب اليهودي، في تمهيد رسمي لإبعاد السُكان العرب من إسرائيل في المُستقبل.
تاسعًا: تشمل الخُطة تحديد خرائط جديدة لحُدود إسرائيل، وللدويلة الفلسطينيّة المنزوعة السلاح التي ستنشأ، في ظلّ تخوّف من أن تتضمّن هذه الخرائط هضبة الجولان السوري المُحتلّة كجزء من إسرائيل، وكذلك مزارع شبعا اللبنانيّة المُحتلّة كجزء من إسرائيل!
في الخُلاصة، لا شكّ أنّ الإدارة الأميركيّة تعتبر أنّ الظروف الحالية التي تشهد ضعفًا كبيرًا على المُستوى العربي بشكل عام، وإنقسامًا حادًا بين العديد من الدول العربيّة وإيران، وكذلك بين العديد من الدول العربيّة في ما بينها، مُناسبة لتمرير "تسويتها" وفق أسلوب الفرض من جهة، مع مُحاولة إرضاء الفلسطينيّين بتعويضات مالية ضخمة. وفي حال فشل كلّ من الإدارة الأميركيّة، والقيادة الإسرائيليّة المُتشدّدة، في تمرير "صفقة القرن"، فإنّ البديل سيكون إتخاذ إجراءات أحاديّة متطرّفة تُركّز على ضمّ الكثير من الأراضي المُحتلّة وعلى خنق الفلسطينيّين ماليًا بشكل أكثر إحكامًا، مع ما يحمله هذا الأمر من مخاطر كبيرة قد تُفجّر الهدُوء الهشّ القائم حاليًا على أكثر من جبهة مُحيطة بإسرائيل.