كأنَّكَ لم تُصلب لإنقاذ أبناء حواء من الخطيئـة الأصلية وغـرائز شهوة الجسد...
وكأنَّك لم تـمُتْ بطبيعتك البشرية لتطهير النفوس المدنّسة في الأرض بمسحة من ألوهية السماء...
وكأنَّ العشرين قرناً قد سقطت من التاريخ ، فإذا التاريخ جثّـةٌ تنتظر من يدفنها... والتاريخ الذي يكتب ولا يمحو، قد كتب لنا أن نعيش زمن الكتبة والفريسيين
والمرائـين وأولاد الأفاعي ومغارة اللصوص... فلا يزال كهنة الهيكل «يأكلون بيوت الأرامل» (1) ... وما زلنا نصلّي في هيكل ترقص فيه الشياطين...
ولا يزال هوميروس يقدّم رأس يوحنا المعمدان على طبقٍ إلى راقصة...
ولا يزال سمعان الذي شفيتَه من مرَض البَرص يشكّكُ في نبوّتك، «وتوما» يأبى إلا أن يضع إصبعه في الجرح... ويهوذا يبيعك كلَّ يوم بثلاثين من الفضّة، واليهوذيّون يسلِّموننا معك الى ذبيحة الجلجليات.
تلاميذك الذين يتصارعون على المكان الأول وأفضلية النفوذ، ومن أجل أن يكون «الأول فيهم للكل خادماً...» (2) غسلت أنت أقدامهم، ولكنهم غسلوا أرجل بعضهم بعضاً بالدم، وصليبُ الرحمةِ والمحبة الذي حملتَ حملوه صليباً معكوفاً.
أنت أرسلتنا «غنماً وسط ذئاب فلم نكن كالحيّـات حكماء ولا بسطاء كالحمام...» (3) ولم «نحترز من الأنبياء الكذبة الذين يأتون في ثياب النعاج وهم ذئاب...» (4) ولا «من الرؤساء الفاسدين الذين يحزمون أحمالاً ثقيلة ويضعونها على أكتاف الناس».. (5)
ونحن حملنا صليبك الذي أقام «ليعازر» من الموت، وحاولنا أن نشفي الكسيح والأبرص والأعرج، وأن ننقذ المجدلية من الرجم..
ولكنّ الذين أنقذناهم من الموت شهروا في وجهنا السيف.
والكسيح الذي ساعدناه على السير رفع في وجهنا العصا...
والغريب الذي آويناه أقفل في وجهنا الباب...
والجائع الذي قاسمناه الجسد خبزاً والدم خمراً نهش اللحم ونهَلَ الدم...
والزانية التي انتشلناها من الأنقاض رشقتنا بالحجر...
هذه هي الأرض التي نزلت إليها روح اتصال بين الله والإنسان لتجعلها شبه سماء... الحضارات فيها انطفأت بالكفر والتكفير وانبعاث أفعى الفردوس..
ممالك سقطتْ، عروش تقوّضت، أمّـة تقوم على أمة، أوطان تختفي تحت ركام، شعوب تغرق في الدم ومذابح جماعية وذبائح..
إنها أيام نوح التي «رأى الرب أن شـرَّ الإنسان فيها قد كثر في الأرض» (5)، وإنه العالم الذي تشير اليه عند مجيئك الثاني فتقول: «كما كانت أيام نوح كذلك يكون مجيء إبن الإنسان» (6)
وسط هذا العالم الذي يتلظىّ بالمآثم والشر لن أدعوك أيها السيد الى صليب خلاص جديد، لأنَّّ... «مَنْ أَخَـذَ بالسيف فبالسيف يُـؤخذ..» (7)
بل لعل الخلاص يكون مع «نـوح» آخر، يحمل أصفياء الأرض الى البحر لإنقاذهم من الطوفان، ومنهم يتسلسل جنسٌ بشري جديد..
وفي انتظار القرار الإلهي أغفر لنا خطايانا ونجنّا من الشرير... آمين.
-1 متى: 23/14 -2 مرقس: 9/25/ -3 متى: 10/10/ -4 متى: 7/15/17/ -5 تكوين: 6/56/ -6 متى: 24/37/39/ -7 متى: 26/52.