أبهر نور المسيح القائم من الموت شاولَ - بولس على طريق دمشق (أعمال 9/3) فأصبح شاهداً للقيامة وراح يردّد: «لو لم يقم المسيح لكان تبشيرنا باطلاً وإيمانكم أيضاً باطلاً، ولكنّا شهود زور على الله» (1 قور 15/14).
كانت البداية مع النسوة أمام القبر الفارغ. إذ إنه عند فجر يوم الأحد، وبعد أن كانت الأحداث قد انتهت وظنّ الناس أن كل شيء قد انتهى بموت يسوع الناصري، وغرقوا في صمت الأموات، جاءت النسوة إلى القبر يحملن الطيوب ليطيّبن جسد يسوع الميت بهدف حفظه، فوجدن الحجر قد دُحرج عن القبر، فدخلن فلم يجدن جثمان الرب يسوع. وقال لهنّ الملاك: لماذا تبحثن عن الحيّ بين الأموات؟ إنه ليس ههنا، بل قام (لوقا 24/1-6). فعادت النسوة مهرولات لإعلان الخبر للرسل الخائفين والمختبئين في العلّية. فلم يصدّقوا وباتوا في حيرتهم وخوفهم إلى أن حلّ الروح القدس الذي أرسله الابن من عند الآب، فهبّ فيهم «كريح عاصفة» وحرّرهم من خوفهم، فخرجوا يعلنون للناس أجمعين أنّ المسيح قام وأنه لا يزال حيّاً في كنيسته وسيبقى معها إلى الأبد.
كانوا 12 رسولاً و72 تلميذاً؛ إنطلقوا في كل أنحاء الامبراطورية الرومانية العظيمة حاملين بشارة القيامة والخلاص لكل البشر تلبيةً لمن قال لهم بعد قيامته: «إذهبوا في الأرض كلها وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين» (مر 16/15).
إنطلقوا من هذه الأرض التي نحن عليها اليوم متحدّين الأباطرة والسلاطين والحكام، ومخترقين كل الحواجز الجغرافية والعسكرية والاجتماعية والنفسية والحضارية، متسلّحين بإيمانهم بالقائم من الموت وبرجائهم بمجد الملكوت وبمحبتهم لبعضهم البعض ولجميع الناس.
وراحت الكنيسة معهم وبعدهم تنتشر في كل أنحاء الأرض حاملة بشرى الخلاص ورسالة المحبة والمصالحة والسلام، وواجهت كل أنواع التحديات من حروب واضطهادات وانتكاسات وخيبات، وأبواب الجحيم لم تقوَ عليها.
أما اليوم، وبعد ألفي سنة، فنرى أنّ كنيسة المسيح في أرض المسيح تعيش حالة الخيبة واليأس والقلق على المصير، وكأنّ كل شيء انتهى بالنسبة إلى حضورها وشهادتها ورسالتها في هذا الشرق.
ونجد أنفسنا أننا جئنا للاحتفال بقيامة الرب يسوع حاملين كل همومنا: الأزمات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية والسياسية، بينما تعاني عائلاتنا من وزرها ويهاجر شبابنا طلباً لعيش كريم، وندفع ثمن حروب الآخرين على أرضنا وثمن الحروب الدائرة من حولنا.
جئنا نبحث عنك بين الأموات وأنت قائم بيننا وتمشي معنا وتسمع لنا نندب حظنا ونعبّر عن يأسنا وقد وصلنا إلى طريق مسدود، كما تلميذي عماوس. ولا نسمعك تقول لنا: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟ أعلى خسارة ما تملكون في هذه الدنيا؟ وما قيمتها؟ كلها أصبحت مثل القبر الفارغ!
ما بالنا إذاً واقفين أمام القبر نبكي ونتحسّر على مصيرنا اليائس ونعلن عن مبررات خيباتنا المتكررة، وكأننا مصرّون على البقاء في عالم الأموات !
تعالوا نشهد لحقيقة القيامة، فنتحرّر من الخوف الذي يسكن فينا وننتصر على حراس القبر ومَنْ وراءهم: الأبالسة والمجرِّبين والمرائين وأنبياء البؤس «والرؤساء الذين يمقتون العدل ويعوّجون الاستقامة ويبنون العالم الجديد بنار الحروب والدماء»، كما يقول النبي ميخا (في القرن الثامن قبل المسيح)! وكأنّ العالم ما زال هو إيّاه ولم يتغيّر فيه شيء!
تعالوا نتعلّم أن نقرأ في الأحداث علامةً لحضور الرب. تماماً كما قرأت النسوة في حدث القبر الفارغ علامة القيامة بعد الموت. وكما قرأ الباريسيون والفرنسيون في حدث حريق كاتدرائية السيدة (نوتردام) علامة صوت الرب يدعوهم في اليوم الأول من أسبوع الآلام إلى إعلان إيمانهم ورجائهم بالقائم من الموت. فاستفاقوا من سبات الموت العميق وأعلنوا أنهم سيعيدون البناء، «بناء الكنيسة قبل الكاتدرائية»، كما جاء على لسان رئيس أساقفة باريس، «بناء كنيسة البشر قبل كنيسة الحجر».
تعالوا نخرج من أنانياتنا ومصالحنا الضيّقة فنوحّد قوانا ونتعاون على إعادة بناء ما تهدّم من الدولة والوطن، فنعيد إلى الدولة هيبتها وإلى الوطن رونقه فيبقى وطن الرسالة في الحرية والديمقراطية والعيش الواحد في احترام التعددية.
تعالوا نحتفل بالقيامة، قيامة كل واحد منّا، مع المسيح إلى حياة جديدة، فندحرج الحجر عن القبور المكلّسة التي تمثّل أجسادنا الهامدة وأطماعنا ومصالحنا.
تعالوا نبني معاً، وبخاصة مع شبابنا، عالماً جديداً بالمحبة والمصالحة والغفران والأخوّة الحقيقية التي يعلنها ويشهد لها قداسة البابا فرنسيس.
تعالوا نصرخ ونرنّم مهلّلين: المسيح قام، حقاً قام !