ترأس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جودة، رتبة سجدة الصليب وزياح المصلوب، في كاتدرائية الملاك ميخائيل في منطقة الزاهرية في طرابلس، بمشاركة خادم الرعية المونسنيور بولس القطريب والكاهنين جوزاف غبش وسيمون ديب، في حضور حشد من المؤمنين.
وألقى بو جودة عظة أكد فيها أنه "يختصر بولس الرسول بكلماته هذه معنى الألم والصليب والموت ومعنى الإنتصار والقيامة. فالموت هو نهاية كل كائن حي، وبالنسبة الى الإنسان إنه العودة إلى التراب الذي أخذ منه على ما يقول الرب في سفر التكوين. لقد خلق الإنسان على صورته ومثاله، كائنا حيا وضعه في الملكوت وجعله سيدا على سائر الكائنات. لكن الإنسان تكبر على الله وإستسلم لإرادة الشيطان المجرب وقرر أن يبني ذاته بذاته وأن يجعل من نفسه إلها لنفسه عندما قبل بما قاله له المجرب بأنه إذا رفض الله صار شبيها بالآلهة. لكنه في الواقع وصل إلى النتيجة العكسية فإكتشف عريه ومحدوديته وفهم بأنه بدون الله سوف يعود إلى التراب والرماد، أي إلى العدم. لكن الله الذي هو محبة، والذي خلق الإنسان بمحبة لم يرد أن يتركه فريسة بين أيدي الشيطان بل قرر أن يخلصه، وأن يعيد خلقه من جديد نوعا ما. ولنا في نبوءة حزقيال مثل وأمثولة حول ذلك، إذ أن الرب يعلن على لسان نبيه أن الأموات سيعودون إلى الحياة، ويرسم لنا صورة شهيرة عن ذلك، هي صورة العظام اليابسة التي تعود إليها الحياة".
وتابع: "بموته على الصليب، وبقيامته من بين الأموات، أعطانا المسيح المعنى الحقيقي للموت الذي لم يعد ذلك الأمر المخيف الذي يدعو إلى الإحباط واليأس، بل أصبح مرحلة عابرة في حياة الإنسان، ونوعا من رقاد على ما قال السيد المسيح عندما أبلغوه عن موت صديقه لعازر: إن صديقنا لعازر قد رقد وأنا ذاهب لأوقظه. وقد أكد المسيح على ذلك ليس فقط بقيامة لعازر بل أيضا بقيامة إبن أرملة نائين، وخادم قائد المئة وغيرهما. المسيح الذي أخذ طبيعتنا البشرية تضامن معنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. فلقد تعذب وتألم وحمل الصليب، وصار شبيها بالعبد الذي وصفه أشعيا في الفصل الثالث والخمسين من نبوءته: من الذي آمن بما سمع منا ولمن كشفت ذراع الرب؟ فإنه نبت كفرع أمامه وكأهل من أرض قاحلة، لا صورة له ولا بهاء فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه. مزدرى ومتروك من الناس، رجل أوجاع وعارف بالألم ومثل من يستر الوجه عنه. لقد حمل هو آلامنا وإحتمل أوجاعنا فحسبناه مصابا مضروبا من الله ومذللا. طعن بسبب معاصينا وسحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شفينا، عومل بقسوة فتواضع ولم يفتح فاه. كحمل سيق إلى الذبح، كنعجة صامتة أمام الذين يجزونها، ولم يفتح فاه. قد إنقطع من أرض الأحياء وبسبب معصية شعبي ضرب حتى الموت (أش53)".
وشدد بو جودة على أنه "بإحتفالنا اليوم بموت المسيح على الصليب، لا نكتفي بالقيام بواجب إجتماعي، كما يحصل مرات كثيرة عندما نشارك في المآتم العادية. ولا نكتفي بتقديم التعازي إلى أمه العذراء مريم ثم نعود إلى رتابة حياتنا اليومية، ولا نكتفي بالبكاء والنواح عليه، كما يحصل مرات كثيرة. فنحن لا نتوقف عند المرحلة الرابعة عشرة من مراحل درب الصليب، إذ نضع جثمانه في القبر وندحرج حجرا كبيرا على باب القبر ونعتبر أن كل شيء قد تم وأن كل شيء قد إنتهى، بل علينا أن نتخطى هذه المرحلة للوصول إلى المرحلة الأساسية التي تحصل بعد يومين، المرحلة الخامسة عشرة التي تدعونا للتأمل بالقبر الفارغ وبالحجر الذي دحرج عن باب القبر. لأن المسيح لم يبق في القبر بل إنتصر على الموت، وأعطانا إمكانية الإنتصار. ولذا فعلينا ألا يكون رجاؤنا مقتصرا على أمور الأرض، وإلا صرنا أشقى الناس أجمعين. فإننا أهل إيمان وقيامة ورجاء ومن واجبنا أن نكون شهودا على ذلك وأن ننشد بإستمرار نشيد الظفر فنقول: أين يا موت ظفرك، وأين شوكتك يا موت، فالحمد لله الذي آتانا الظفر على يد ربنا يسوع المسيح".
وبعد القداس طاف المؤمنون داخل الكنيسة خلف نعش السيد المسيح، الذي حمله الكهنة، وسط تراتيل الآلام.
وفي دير مار انطونيوس قزحيا في الوادي المقدس، ترأس رتبة سجدة الصليب في كنيسة الدير الأثرية رئيس الحبساء والنساك الأب مخايل فنيانوس، عاونه الأب كميل كيروز والأبوان فادي عماد وريمون كيروز والحبيسان الأب أنطوان رزق والأب يوحنا خوند وجمهور الدير وعدد من الآباء في الرهبانية اللبنانية المارونية.
حضر الرتبة نائب رئيس مطار رفيق الحريري الدولي- بيروت يوسف طنوس، منسق اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي- الإسلامي في الشمال الزميل جوزاف محفوض، رئيس الكشاف المسيحي في لبنان جورج بطرس، مدير مستودع الأدوية المزمنة في الكرنتينا التابع لوزارة الصحة الدكتور انطوان حرب، عضو نقابة الملحنين الملحن إيلي نعمة وعقيلته جوال ليشع ورؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات وعدد كبير من المؤمينين.
وألقى فنيانوس عظة شدد فيها على "مراحل آلام سيدنا يسوع المسيح الذي صلب وتعذب لأجلنا".
وفي نهاية الرتبة أقيم زياح في باحة الدير الداخلية بسب الطقس الممطر، وسط تدابير أمنية مشددة.