منذ تسلّمه النيابة العامة الماليّة عام ٢٠١٠ بدأ النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم بمراسلة وزراء المهجرين الذين تعاقبوا على الوزارة، طالباً الإذن المسبق لملاحقة أربعة موظفين مشتبه بتورطهم بملفّ هدر وإختلاس أموال عامّة بمئات الملايين. على رغم كُتُبه المتكرّرة، لم يتجاوب الوزراء الّذين تعاقبوا على الوزارة منذ ذلك الوقت، مع طلبات القاضي ابراهيم الذي لم يتمكن من ملاحقة الموظفين المذكورين إلاّ بعد تولي الوزير غسان عطاالله الوزارة وإعطائه الإذن بالملاحقة.
النائب العام المالي إستدعى الموظفين الأربعة وإستمع الى إفاداتهم خلال الأسبوعين الفائتين ومنذ أيام قليلة إدّعى على ثلاثةٍ منهم بعدما ثبت تورّطهم بالفساد.
وفي المعلومات المتوافرة ، يروي المطلعون أن القضية تعود الى حرب تموز ٢٠٠٦، وأن الموظفين الأربعة يعملون في الوزارة بصفتهم رؤساء مصالح.
إثنان من الموظفين المدعى عليهم لا يزالان في الخدمة، واحد تقاعد منذ حوالي ٦ سنوات وآخر طُرد سابقاً من وظيفته في الوزارة.
وكونهم من رؤساء المصالح في الوزارة، يكشف مصدر مطّلع على التحقيقات أن الموظفين المدّعى عليهم، إستغلّوا مهامهم الوظيفيّة التي جعلتهم خلال حرب تموز التي دامت ثلاثة وثلاثين يوماً، صلة الوصل بين المتضرّرين والمصابين والهيئة العليا للإغاثة التي تولت دفع التعويضات.
وفي هذا السياق يكشف المصدر عينه أن الموظفين كانوا يحضرون ملفّات المصابين والمتضررين ويرسلونها الى الهيئة العليا للإغاثة، وبعد موافقتها، كانت ترسل لهم الشيكات المتعلّقة بكل ملفّ لتسليمها الى أصحابها، وهنا تبيّن أن عدداً كبيراً من المستفيدين رُكّبت ملفّاتهم إستناداً الى إصابات وإعاقات وهميّة، وقبضوا شيكات الهيئة العليا للإغاثة، من دون أن يكونوا من بين المصابين او المتضررين الحقيقيين من حرب تموز.
ما يهمّ الوزير عطاالله في هذه المرحلة التي يعمل فيها على إقفال وزارة المهجرين، هو عدم تغطية أيّ موظف وكشف من هو فاسد ومن يقوم بواجبه من دون تقاضي رشى وإختلاس أموال عامة، حتى لو اضطر الأمر الى فتح ملفّات قديمة، وهو في هذا الإطار سيتعاون مع القضاء المالي وغيره من السلطات المعنيّة لكشف الحقائق. والأهم فيها يتمثل بكشف جميع المتورطين ومحاسبتهم، والمقصود بجميع المتورطين، هو معرفة إذا كان هناك موظفون كبار تورّطوا أيضاً بهدر أموال عامة وإختلاسها. وفي هذا الإطار، يؤكد المطلعون أن الملاحقة هنا تجوز حتى ولو بلغ المدير أو الموظف سنّ التقاعد ولم يعد ضمن الكادر الوظيفي لوزارة المهجرين.
في الخلاصة، يظهر هذا الملف مدى أهميّة إقتراح القانون الذي قدمه تكتل "لبنان القوي" لتعديل المادة ١٦ من قانون تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب، والهادف الى سحب صلاحيّة إعطاء الإذن بالملاحقة الجزائيّة للموظّفين من الوزراء. إقتراح، صحيح أنّه أعيد الى اللجان النيابيّة في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب بعد إسقاط التصويت صفة المعجّل المكرّر، لكنه سيعود يوماً الى الهيئة العامة، وعندها سيظهر التصويت مجدداً للرأي العام من هو الفريق السيّاسي الذي يريد حماية الموظّفين الفاسدين ومن يريد حقاً مكافحة الفساد!.