كما كان مُتوقعًا، رفعت واشنطن مُستوى الضُغوط التي تُمارسها على إيران، وقرّرت وقف الإعفاءات التي قدّمتها سابقًا لثماني دُول(1) لشراء النفط الإيراني، ما يعني عمليًا وقف تصدير النفط الإيراني إلى الخارج بشكل كامل، وهو أمر كانت إيران قد هدّدت بأنها لن تسكت عنه في حال حُصوله، وستردّ عليه بمنع الملاحة البحريّة للنفط في المياه الإقليميّة المحيطة بها. وقد إرتفعت حدّة التصاريح الأميركيّة والإيرانيّة المُتبادلة خلال الساعات القليلة الماضية، في ظلّ إرتفاع منسوب التوتّر مَيدانيًا، خصوصًا وأنّ إيران تعتزم إجراء مُناورات بحريّة جديدة تغطّي مساحة جغرافيّة واسعة، وتطال بجزء منها مضيق هرمز. فهل ستنجح الولايات المتحدة الأميركيّة في تشديد خناقها الإقتصادي على إيران، وكيف ستردّ هذه الأخيرة؟.
بالنسبة إلى الجانب الأميركي فهو جادّ في سعيه لتضييق الحصار الإقتصادي والمالي المَفروض على إيران، والإدارة الأميركيّة عازمة على فرض عُقوبات على أيّ من الدول التي ستواصل شراء النفط الإيراني رغم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف كل أنواع الإستثناءات السابقة، وتعمل واشنطن حاليًا على مُحاولة تعويض التراجع في عروضات المُشتقّات النفطيّة في الأسواق العالميّة عبر حثّ كل من المملكة العربيّة السُعودية ودولة الإمارات العربيّة المتحدة على رفع حجم إنتاجها ومبيعاتها، في ظلّ إرتفاع ملحوظ للأسعار. وبالنسبة إلى الدول المَعنيّة بالقرار الأميركي، فإنّ بعضها سيلتزم حتمًا به، تجنّبًا لأيّ خلافات مع الولايات المتحدة الأميركيّة، لكنّ بعض هذه الدول سيرفض التقيّد بالقرار على الأرجح، ما سيُوثر حتمًا على العلاقات الثُنائيّة لهذه الدول مع واشنطن. أمّا بالنسبة إلى إيران فقد أكّد العديد من المسؤولين في الجُمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة أنّ طهران غير مَعنيّة بالقرارات الأميركيّة غير الشرعيّة، وهي ستُواصل تصدير نفطها، وُصولاً إلى تهديد قائد القوّات البحريّة الإيرانيّة التابعة للحرس الثوري، علي رضا تنكسيري، بأنّ إيران ستُغلق مضيق هرمز إذا تمّ منعها من إستخدامه.
وسط هذه الأجواء، تُحضّر إيران لتنفيذ مُناورات بحريّة ضخمة تقوم بها بشكل دوري، لإستعراض قُدراتها العسكريّة من جهة، ولتوجيه رسالة أمنيّة من جهة أخرى، مفادها بأنّها قادرة على إغلاق مضيق هرمز-إذا دعت الحاجة، علمًا أنّ طهران تسعى لأن تحظى مُناوراتها العسكريّة المُرتقبة، بغطاء سياسي من أكثر من دولة، مع الإشارة إلى أنّ قائد القوّات البحريّة للجيش الإيراني الأدميرال حسين خانزادي، كان توجّه في الأيّام الماضية إلى الصين، ودعا بكين إلى إشراك وحدات بحريّة في المُناورات البحريّة الإيرانيّة المُنتظرة والتي ستُشارك فيها وحدات بحريّة وجويّة من روسيا أيضًا. ولا شكّ أنّ هذه المُناورات سترفع حدّة التوتّر الأمني في المنطقة، مع إحتمال وُقوع إستفزازات أمنيّة مع الوحدات العسكريّة الأميركيّة الموجودة في المنطقة، وربّما إحتكاكات مُباشرة طفيفة.
إشارة إلى أنّ مضيق هرمز الذي يبلغ عرضه 50 كيلومترًا وعمقه نحو 60 مترًا بمعدّل عام، يُعتبر من بين أهمّ المَمرّات البحريّة في العالم أجمع، نتيجة مُرور نحو 40% من الإنتاج العالمي من النفط عبره(2)، علمًا أنّه يستوعب مُرور ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميًا عبر مياهه. وحركة الملاحة البحريّة مكفولة في مضيق هرمز بحسب القوانين الدَوليّة، بحيث لا يُمكن أن تقوم إيران بمنع الملاحة فيه. لكن وبحسب خبراء غربيّين، بإمكان إيران في حال فشلها في الإستمرار في الإلتفاف على العُقوبات الأميركيّة، وبالتالي في حال فشلها في تصدير نفطها، القيام بإستفزازات أمنيّة في مضيق هرمز، وبالتسبب بإشتباكات محدودة فيه، بشكل يوقف الملاحة تلقائيًا أو أقلّه بعرقلتها فيه. وعندها ستحدث أزمة عالميّة على مُستوى توفّر المُشتقات النفطيّة، وعلى مُستوى أسعار بيعها أيضًا، ما سيجلب تدخلاً سياسيًا دَوليًا لاحتواء الأزمة في مهدها.
وعلى الرغم من أنّ الخطر يبقى قائمًا لجهة خُروج أيّ إحتكاك أمني مُحتمل في مضيق هرمز عن السيطرة، فإنّ من المُستبعد جدًا حصول مُواجهة عسكريّة بحريّة وجويّة بين طهران وواشنطن. لكنّ الأكيد أنّ الحرب الإقتصاديّة والماليّة الأميركيّة على إيران ستتصاعد أكثر فأكثر خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، وستكون إيران مُضطرّة للإستعانة بدول مثل روسيا والصين، وربّما حتى مثل تركيا، للتخفيف من وطأة العُقوبات المُتصاعدة عليها.