في ظل غياب المؤشرات التي توحي بإمكانية إندلاع مواجهة عسكريّة بين إسرائيل و"حزب الله"، يبدو أن الولايات المتحدة قررت رفع نسق المواجهة الإقتصادية، التي تخوضها منذ سنوات طويلة ضد الحزب، على قاعدة تصنيفه من قبلها منظمة إرهابيّة.
ضمن هذا السياق، يمكن وضع المبادرة التي أطلقتها واشنطن بهدف "تجفيف تمويل حزب الله"، في الأيام الماضية، معلنة تقديم مكافآت مالية تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تفيد في تحقيق هذه الغاية.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ المتابع لمسار هذه المواجهة يدرك أن هذا القرار لم يكن مفاجئاً بل متوقعاً، نظراً إلى وجود قرار متخذ من قبل الولايات المتحدة بتشديد العقوبات الإقتصادية على "حزب الله"، وتوضح أن هذا القرار يأتي ضمن مسار يشمل مختلف أركان محور المقاومة، من إيران إلى سوريا وصولاً إلى الحزب، وتلفت إلى أن النتائج كانت قد بدأت بالظهور قبل عدة أشهر.
وتشدّد هذه المصادر على أن الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب تتبنى إستراتيجية العقوبات على نطاق واسع، حيث تعتبر أنها أفضل وسيلة لجرّ الأعداء أو الخصوم إلى طاولة المفاوضات، وتوضح أن هذا ما تم الإعلان عنه، بشكل واضح، من قبل المسؤولين الأميركيين، عند الإعلان عن عدم تجديد الإعفاءات التي سمحت لبعض الدول باستيراد النفط الإيراني.
من وجهة نظر هذه المصادر، النتائج التي قد تترتب عن هذه الخطوة لن تظهر في وقت قريب، لكن لا يمكن إنكار خطورتها بأيّ شكل من الأشكال، نظراً إلى أن الحزب يمثّل شريحة واسعة من اللبنانيين، وبالتالي من الممكن أن يقدم أيّ شخص على إدلاء بمعلومات، ضد رجال أعمال أو أشخاص، غير صحيحة، على أمل الحصول على المكافأة المالية الموعودة، الأمر الذي يحتّم على الحكومة اللبنانيّة متابعة هذا الملف، نظراً إلى أن هذه العقوبات تستهدف رجال أعمال، سواء في الداخل أو في بلاد الإغتراب، في حين هي من مسؤولياتها حماية مواطنيها.
وفي حين يراهن "حزب الله" على القدرة على الصمود في هذه المواجهة، خصوصاً أن لديه تجربة طويلة في التعامل مع مثل هذه الضغوط، كما أنه ذهب إلى تنشيط التبرعات الشعبية بشكل أساسي من قبل جمهوره التي من غير الممكن أن تنجح الولايات المتحدة في وقفها، ترى المصادر المتابعة أن اللافت اليوم هو أن واشنطن ليست وحدها في هذه الحملة، بل هي تحظى بدعم من حلفائها على مستوى المنطقة، وتذكر بما حصل مع رجل الأعمال قاسم تاج الدين، الذي اعتقل من قبل وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة في المغرب، في حين كانت قد ذهبت بعض الدول العربيّة أيضاً إلى تصنيف الحزب منظمة إرهابيّة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ما ينبغي التأكيد عليه، في المرحلة الراهنة، هو أن إشتداد الحرب الإقتصاديّة الحاليّة يعني إستبعاد المواجهة العسكريّة، نظراً إلى أنّ واشنطن تعتبرها قادرة على تحقيق الأهداف بكلفة أقل، كما أن موازين القوّة القائمة منذ حرب تموز 2006، لا تساعدها في الذهاب إلى الثانية، لكنها تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول المسار الذي قد تسلكه الأمور في حال كانت نتائج هذه الحرب كبيرة.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها أن الحرب الإقتصاديّة هي عنوان المرحلة المقبلة على مستوى المنطقة، وترى أنها ربما تكون في بداياتها حتى الآن، على عكس ما يرى الكثيرون، ما يعني عدم القدرة على توقّع المدى الذي تذهب إليه، ولا الخطوات التي قد يلجأ إليها محور المقاومة في إطار المواجهة، خصوصاً أن كل ما يحصل يأتي في إطار التحضير الأميركي لطرح ما يُعرف بـ"صفقة القرن"، حيث تسعى واشنطن إلى تحسين أوراق قوّتها قبل موعد طرحها المقرر بعد نهاية شهر رمضان.